شهدت مدينة كركوك شمالي العراق على مدى الأيام القليلة الماضية، توترات ومواجهات بين محتجين وقوات الأمن أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، على خلفية إغلاق الحشد الشعبي العراقي طريق كركوك – أربيل، وحشد أنصاره للتظاهر رفضاً لقرار رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، إخلاء مقرات العمليات المشتركة بالمدينة تمهيداً لعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إليها واتخاذها مقرات دائمة له.
تظاهرات أنصار الحشد وإغلاق طريق كركوك – أربيل، قابلها خروج مئات الكرد باحتجاجات مماثلة تطالب بفتح الطريق، تخللها مواجهات بين الجانبين وإطلاق رصاص من قبل قوات الأمن العراقية ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة خمسة عشر آخرين، وإعلان شرطة كركوك حظراً للتجوال بالمدينة مساء السبت الماضي بأمر من رئيس الحكومة، قبل أن ترفع الحظر في اليوم التالي، وسط استمرار التوترات والترقب الحذر، خاصةً بعد قرار المحكمة الاتحادية العراقية إيقاف إخلاء مقرات العمليات المشتركة لحين البت بالدعوى المقدمة ضد القرار.
مطالبات بنبذ العنف
وعقب المناوشات وسقوط ضحايا، طالبت حكومة إقليم كردستان، المواطنين في محافظة كركوك بضبط النفس والابتعاد عن العنف، داعية السكان الأصليين بالمدينة من كافة المكونات من عرب وكرد وتركمان لعدم السماح لمن أسمتهم بالغرباء بزعزعة استقرار المدينة وتعكير صفو التعايش المشترك، في حين حمل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني القوات الأمنية بكركوك مسؤولية حماية أرواح وممتلكات المدنيين وتدهور الأوضاع الأمنية، مطالباً رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بالتدخل العاجل لمتابعة الأحداث “غير المسؤولة”.
تعنت واستقطاب سياسي
عضو المكتب السياسي ومسؤول مكتب الإعلام في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ستران عبدالله، قال في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن الأوضاع في كركوك أصبحت هادئة ولكن سبب الأزمة هو التعنت السياسي المتبادل سواءً من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يصر على مقر واحد وكأنه “شرف الكردستانيين الذي لا يوازيه شرف آخر” في حين أن الوضع الكردي أكثر تعقيداً من قضية مقر يرفع عليه علم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان هناك أكثر من فرصة لهذا الحزب بأن يكون له مقرات في أماكن أخرى من مدينة كركوك مهجورة أساساً، وفي الجانب العراقي أيضاً هناك تلكؤ وشيء من الاستقطاب السياسي بسبب الوضع السياسي في كركوك، حيث أن الحكومة الاتحادية “تركت الحبل على الغارب في كركوك”، وسلمت إدارة المحافظة لمحافظ يديرها بطريق الوكالة وليس محافظاً أصيلاً، كما أن الحكم في كركوك يشوبه نوع من العسكرة وهذا لا يليق بمدينة يفترض أن تدار سياسياً”.
توزيع أدوار قبيل الانتخابات المحلية
ويضيف عبدالله، أن هذا الاستقطاب السياسي القومي والطائفي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والتيارات السياسية العربية والتركمانية لا يخدم مدينة كركوك، كما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني له علاقات مع الأحزاب العربية والتركمانية فيما يتعلق بالأوضاع في بغداد خاصةً أحزاب السنة والشيعة، لكنه يتصنع المشاكل مع تلك الأحزاب في مدينة كركوك وكأن الأمر أشبه بتوزيع أدوار وخاصةً أن العراق مقبل على انتخابات مجالس المحافظات، حيث يبدو أن كل طرف يحاول أن يستقطب الجمهور لصالحه، لكن الخسارة الأكبر ستكون لأهالي كركوك، إذ لا يمكن الحديث عن ديمقراطية وانتخابات في ظل زعزعة السلم المجتمعي”.
ويتخوف السكان في كركوك، من أن تدفع الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة، باتجاه احتمالية اندلاع شرارة صراع يتعدى كونه سياسياً مع تزايد الصراع والتدخل الإقليمي بشؤون البلاد، خاصةً بعد حديث أطراف عراقية عن مساع جهات خارجية وقوى سياسية باتجاه افتعال أزمات، لاسيما أن الأحداث التي شهدتها المحافظة جاءت عقب زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى العراق ولقائه مسؤولين من الجبهة التركمانية”.
المادة 140 من الدستور العراقي
وبحسب عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ستران عبدالله، “فإن على الجميع أن يدرك أن الطريقة المثلى لحل المشاكل هي بالحل الدستوري عبر تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، أو عبر البدء بالتحضيرات لانتخابات ديمقراطية محلية في كركوك، التي غابت عنها الديمقراطية المحلية لأسباب عديدة منها خصوصية المدينة، رغم أن هذه الخصوصية يجب أن تدفع الجميع باتجاه حل المشكلات وليس تعطيل الحل الدستوري والديمقراطي، مؤكداً أنهم في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يعتبرون أن هذا الاستقطاب السياسي القومي والطائفي لا يجدي في مدينة متنوعة مثل كركوك يجب أن تنزع للحل السلمي بكل الصراعات وليس الاستقطاب والاحتقان المثير للجدل”.
يذكر، أن كركوك منذ عقدين هي نقطة صراع أساسية بين القوى السياسية العراقية، وبين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، الذي يطالب بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي بشأن المناطق المتنازع عليها بين الجانبين، والتي تنص على معالجة التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في هذه المناطق خلال حكم رئيس النظام السابق صدام حسين “التعريب”، وإحصاء عدد السكان في المناطق المتنازع عليها، إضافةً لإجراء استفتاء للسكان هناك للسماح لهم بتقرير مصيرهم، إلا أن الحكومة العراقية تماطل بتطبيق بنود المادة.