صفقة غامضة قد تكون على حساب الكرد.. ماذا جاء في لقاء بوتين – أردوغان؟

شهد منتجع سوتشي في روسيا المطل على البحر الأسود، أمس، اجتماعاً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وقد جاءت أغلب التصريحات منصبة حول إمكانية استئناف العمل باتفاق تصدير الحبوب عبر الموانيء الأوكرانية الذي علقت موسكو العمل به، لكن الملف السوري كان حاضراً بقوة، بل يرى مراقبون أنه كان الملف الرئيسي لذلك اللقاء.

وأتت قمة “بوتين – أردوغان” في وقت تشهد فيه الأراضي السورية تطورات متسارعة على مدار الأيام الماضية، حيث تعج عدة مناطق خاضعة لسيطرة حكومة دمشق في الجنوب الغربي باحتجاجات غير مسبوقة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بينما شهدت مناطق الشمال الشرقي اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية وبعض العناصر المسلحة تدين بالولاء لـ “أحمد الخبيل” أبوخولة رئيس مجلس دير الزور العسكري الذي اعتقلته قسد نتيجة شكاوى قدمها وجهاء وشيوخ بعض العشائر العربية عن انتهاكات وجرائم مارسها أبو خولة بحق أهالي دير الزور، بالاضافة لارتباط الأخير مع ميليشيات ايرانية وقوى تابعة للنظام السوري لتنفيذ أجندة مثيرة للنعرات والقلاقل في المنطقة، كما واستثمرت تركيا في أحداث دير الزور ومارست التحريض الاعلامي بين مكونات المنطقة بهدف ضربها ببعضها لتسنح لها الفرصة هي والنظام السوري للسيطرة على حقول النفط والغاز في المنطقة.

أبرز تصريحات قمة “بوتين – أردوغان

وعقب محادثاته مع أردوغان، قال الرئيس الروسي بوتين إنه من المهم أن نتشارك في الأساليب الأساسية لحل الأزمة السورية، مثل احترام سيادة هذا البلد واستقلاله وسلامة أراضيه، مضيفاً أنه من أجل إطلاق عملية ترميم واسعة النطاق لهذا البلد، من الضروري تحقيق المصالحة الوطنية والاتفاق، مؤكداً على أن مستقبل سوريا يجب أن يحدده السوريون أنفسهم، دون فرض أي وصفات أو نماذج جاهزة من الخارج.

ملامح الصفقة

يقول الدكتور محمود الأفندي الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية السورية والمقيم في موسكو إن الملف السوري كان أكثر الملفات وجوداً على طاولة اجتماع بوتين – أردوغان، لأنه لو تحدثنا عن ملف اتفاق تصدير الحبوب فإن أموره محسومة، فروسيا لديها شروط يعلمها الرئيس التركي والعالم كله، وإذا نفذت تلك الشروط يتم استئناف العمل بالاتفاق، وبالتالي ما جاء بشأنه أمر لمجرد الاستهلاك الإعلامي.

وأضاف الأفندي، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن العلاقات بين بوتين وأردوغان كانت متوترة خلال الأسابيع الماضية لا سيما بعد موافقة الأخيرة على خروج قادة كتيبة أزوف والسماح بعودتهم إلى أوكرانيا عكس الاتفاق الذي كان بين موسكو وأنقرة، وأردوغان يريد ترضية الجانب الروسي فحضر ولديه مقترح يمكن تسميته بخارطة طريق بشأن الوضع في سوريا.

وأوضح أن خارطة الطريق تقوم على فتح المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا من أجل التجارة ومرور البضائع وإقامة مناطق حرة في الشمال الغربي بسوريا تحت حماية الجيش السوري ودون أية جهات أمنية أخرى، وبالتالي وفرت مخرجاً اقتصادياً لحكومة دمشق، وقد يساعد ذلك أيضاً في تهيئة الأجواء لعودة اللاجئين السوريين إلى تلك المناطق.

ويرى الأفندي أن هذه الخارطة تأتي من قبل الرئيس التركي في وقت يبدو فيه أن الدول العربية التي أقدمت على التطبيع مع بشار الأسد تهربت من مسألة تمويل إعادة بناء البنية التحتية بحجة أن ذلك يتعارض مع العقوبات التي يفرضها قانون قيصر على دمشق، ويبدو أن أردوغان يدرك ذلك وتحدث مع الجانب الروسي في هذا الأمر، وجاء لبحث مسألة تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق في إطار محاولاته لإرضاء الجانب الروسي.

ويقصد أمين عام حركة الدبلوماسية الشعبية السورية أن النظام التركي سيوفر مخرجاً اقتصادياً لحكومة دمشق تمكنها من تخفيف وطأة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي بلغت مستويات غير مسبوقة من التعقيد، مقابل دعم دمشق وموسكو لتحالف العشائر المزعوم ضد الكرد.

أما بالنسبة للوضع في الشمال الشرقي، يقول رئيس حركة الدبلوماسية الشعبية السورية إنه من الواضح أن تركيا تسعى لتكوين تحالف عشائري ضد قوات سوريا الديمقراطية أو خلق ما يمكن تسميته بالمقاومة العشائرية ضد الوجود الكردي، والمكونة من عشائر في مناطق المعارضة (المناطق الخاضعة للنفوذ التركي) وعشائر في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وعشائر في مناطق سيطرة حكومة دمشق.

ويرى السياسي السوري أنه في هذا الحالة يمكن القول إننا أمام تحالف تركي – سوري ضد الوجود الكردي، وهو أمر سيزعج الأمريكيين في تلك المناطق وقد يضطرون للانسحاب من هناك إذا تعرضوا لخسائر، وعلى هذا فنحن أمام نقطة تحول جديدة، وهي إيجاد مخرج اقتصادي للحكومة السورية عبر تركيا مقابل تكوين هذا التحالف العشائري ضد الكرد، وأيضاً الضغط على القوات الأمريكية هناك وهو أمر لصالح موسكو كذلك.

وشهدت خمس قرى في دير الزور اشتباكات عنيفة على مدار الأيام الماضية بعد توقيف قوات سوريا الديمقراطية أحمد الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري في مدينة الحسكة، وسعى البعض إلى تصوير تلك الاشتباكات على اعتبار أنها مواجهات لقوات “قسد” ضد العشائر العربية.

ونفت قوات سوريا الديمقراطية أن تكون اشتباكات دير الزور حرباً بينها وبين العشائر العربية، وأن محاولة تصوير الوضع هكذا أمر لا يهدف إلا إلى خلق الفتنة، وأن الاشتباكات هي مع مسلحين موالين لتركيا وجهات أمنية تابعة لحكومة دمشق، مشددة كذلك على أنه لا يوجد أية خلافات بين قوات سوريا الديمقراطية وعشائر المنطقة بل إنهم في تواصل دائم معهم.

ومنذ عام 2016 تقوم تركيا بعمليات عسكرية عدة في شمال شرق سوريا مكنتها من احتلال مئات الكيلومترات، واستهدفت على وجه التحديد الشعب الكردي السكان الأصيل في تلك المناطق كعفرين ورأس العين وتل أبيض، بداعي أنها تسعى للحفاظ على أمنها ضد تهديدات وجودية، وبالتالي فإن مخطط المقاومة العشائرية يعد أحدث حيل الأتراك في تلك المناطق.

اتفاق الحبوب والوضع في سوريا

الدكتور عماد أبوالرب عضو مجلس القوميات التابع لرئاسة الوزراء في أوكرانيا يتفق مع الدكتور محمود الأفندي بأن الوضع في سوريا جزء من صفقة بين بوتين وأردوغان لكنها ذات علاقة باتفاق تصدير الحبوب، موضحاً، في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية، أن ما يجري من تفاهمات بين الجانبين الروسي والتركي يأتي في إطار صفقة ستحقق لأردوغان عدة أهداف منها ما هو متعلق بالوضع في سوريا.

وأوضح أنه حسب التصريحات التي جاءت عقب اللقاء بين بوتين وأردوغان فإن الأول يريد رفع العقوبات عن المنتجات الروسية مقابل استئناف العمل باتفاق تصدير الحبوب، والرئيس التركي سيعرض هذا الأمر على الدول الغربية، وبالتالي هنا يقدم الأخير نفسه على أنه الوسيط الذي أحضر لهم ملامح صفقة عليهم النظر فيها إذا أرادوا عودة تصدير الحبوب.

ويرى أبوالرب أن المكسب الثاني في هذه الصفقة بالنسبة للرئيس التركي سيكون متعلق بالوضع في سوريا، وتحديداً في شمال شرق البلاد، مضيفاً: “المكسب تحديداً الذي سيحصل عليه أردوغان في الشمال السوري بالتنسيق مع موسكو قد لا يكون واضحاً الآن، لكن الأكيد أن أنقرة تسعى لشيء ما تريد الحصول عليه من الروس عبر الوساطة بين موسكو والدول الغربية فيما يتعلق بعودة العمل باتفاق تصدير الحبوب”.

ولطالما اتسمت العلاقات الروسية – التركية بالتوترات والتشنج من وقت لآخر، لكن الدولتان تتشاركان في عديد من الملفات الإقليمية والدولية، لا سيما المحادثات المستمرة خلال الأشهر الماضية بشأن إمكانية تطبيع العلاقات بين أنقرة وحكومة دمشق في إطار توجه تدعمه موسكو بقوة لإعادة تعويم نظام بشار الأسد، بعد أن قلبت دفة الأوضاع عسكرياً على الأرض لصالحه بفضل تدخلها إلى جانب دور إيران.

لكن مسألة تطبيع العلاقات بين النظامين التركي والسوري اصطدمت دائماً بشروط كل طرف، لا سيما عندما يتعلق الوضع بوجود القوات التركية في شمال البلاد، ودعم تركيا لفصائل موصومة بالإرهاب لا سيما في إدلب، فضلاً عن المساعي التركية لإنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سوريا تريد أن تكون على مسافة لا تقل عن 30 ألف كيلو، أو بعبارة أخرى تعديل اتفاقية أضنة المبرمة عام 1998 بين دمشق وأنقرة.

المعادلة الروسية

الدكتور طارق فهمي الخبير في شؤون الشرق الأوسط يقول، لمنصة تارجيت الإعلامية، إن سوريا جزء من الكل في العلاقات الروسية – التركية، والفترة الماضية تشهد مراجعة لملفين مهمين أولهما متعلق بمسألة إنهاء الوجود التركي في الشمال السوري وتحفظ أنقرة على هذا الأمر، والملف الثاني متعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق.

وأوضح فهمي أن روسيا تريد حل الملفين السابقين لكن هذا ليس على رأس أولوياتها في الوقت الحالي وإنما تريد فقط مجرد النقاش حوله، لأن موسكو تدرك أن هذا مسار سيأخذ وقتاً طويلاً، إذ أنه عندما يثار الحديث بشأن مسألة المنطقة العازلة التي يريدها الأتراك يحدث الخلاف الكبير، لأن الأتراك يريدون ما يمكن تسميته بـ”المنطقة المعقمة”، أي منطقة خالية تماماً من كل شيء ترى أنه يشكل تهديداً لأمنها القومي، وبالتالي تريد ترتيبات أمنية معينة ليست موضع توافق بعد.

وأضاف أنه لن يتم كذلك التطبيع بين الأسد وأردوغان في الوقت القريب، والروس يعلمون ذلك لكنهم حريصون على أن يكون هناك هدوء في العلاقات بين أنقرة وحكومة دمشق وأن يكون الباب مفتوحاً، والأتراك بدورهم لديهم قناعة أنه لا يمكن تطبيع العلاقات في الوقت الحالي مع بشار، وبالتالي ما يجري من قبلهم تسكين للمشكلات، أي أن تركيا بعد أن كانت سياستها الخارجية “صفر مشكلات” فإنها الآن “تسكين مشكلات” دون أن يكون التسكين على حساب المصالح التركية في الإقليم.

وكان عاكف شاغطاي قليتش كبير مستشاري أردوغان صرح بأن اللقاءات مع حكومة دمشق مستمرة على مستويات مختلفة، وأن هناك ملفات عالقة تعيق اللقاءات على المستويات العليا، فيما كان بشار الأسد أكد خلال مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني أن الانسحاب التركي شرط أساسي لعودة العلاقات الطبيعية بين أنقرة ودمشق.

قد يعجبك ايضا