جددت الأسبوع المنصرم، الطائرات الحربية الروسية، غاراتها الجوية على موقع لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في ريف إدلب، شمال غربي سوريا، مما أدى إلى إصابة 15 شخصاً بينهم عناصر للهيئة، مُثيرةً التساؤلات حول مصير التفاهمات الروسية التركية في المنطقة.
ففي الحين الذي رأت فيه مصادر دبلوماسية روسية، بأن القصف ضمن إطار التفاهمات القائمة بين موسكو وأنقرة، وجدها آخرون عاكسةً لوجود تراجع في مستوى التنسيق بين الطرفين الروسي والتركي بإدلب، بسبب تعثر عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، وكذلك بسبب المواقف التركية حيال الحرب الأوكرانية، وما يتعلق بترحيب أنقرة بانضمام أوكرانيا لاحقاً إلى حلف شمال الأطلسي.
من المُبكر الحديث عن انهيار
وتعقيباً على المعطيات في إدلب، قال “سلمان شبيب” رئيس “حزب سوريا أوّلاً”، في حديث خاص لـ منصة تارجيت، حول مصير التفاهمات الروسية التركية في إدلب، إن “التصعيد الحالي الذي تشهده منطقة شمال وغرب سوريا، التي تخضع للاحتلال والنفوذ التركي، وتتواجد فيها مجموعات وفصائل مُسلحة، الأقوى فيها مُصنفة كمجموعات إرهابية، مثل هيئة تحرير الشام وأنصار التوحيد، ليس الاول ولن يكون الأخير”.
مُردفاً: “اعتدنا بين فترة وأخرى، على جولات تصعيدية في هذه المنطقة المُمتدة من إدلب وبعض أرياف حماة وحلب، امتداداً على طول الطريق الدولي المعروف بـ إم فور، الذي يربط حلب باللاذقية إلى جبال اللاذقية، مثل جبل الأكراد وجبل التركمان، وكانت آخر جولة تصعيد وعنف متبادل في حزيران الماضي، بعد لقاء الاستانا الأخير بأيام، حيث فسرت وقتها بأنها تعكس فشل هذا اللقاء في إحداث اختراق جدي بموضوع تطبيع العلاقة السورية التركية”.
مُستكملاً: “ما يحدث اليوم، هو تصعيد مُتبادل يُحمل كل طرف الطرف الآخر المسؤولية عن بدئه، فكل يوم هناك نعوات لعدد من ضباط وجنود الجيش السوري، ومنذ أيام قام فصيل أنصار التوحيد بتفجير نفق الملاجة الحيوي، وأعلنت كلاً من القوات الروسية ووزارة الدفاع السورية بأكثر من بيان أن الهجمات التي تقوم بها، هي رد على اعتداءات واسعة ومتكررة، تقوم بها المجموعات المسلحة، في خرق واضح لاتفاق ومنطقة عدم التصعيد”.
“أعتقد أنه من المُبكر أو المبالغة، القول إن التفاهمات الروسية التركية التي تحكم هذه المنطقة قد انهارت، لكن يمكن القول إنها مُتعثرة إلى حد كبير، بعد المُماطلة التركية الطويلة بتنفيذها”، ذكر “شبيب” لـ تارجيت، وتابع: “كما لا يمكن اعتباره تحركاً مُتفقاً عليه، بل إنه يحدث ضمن الهوامش التي تتيحها العلاقات الروسية التركية القلقة وغير الثابتة، خاصة بالفترة الأخيرة، مع مُلاحظة أن الضربات الروسية تتركز على مناطق تواجد وسيطرة كل من هيئة تحرير الشام وأنصار التوحيد، وهما فصيلان لا يعلنان ارتباطهما بشكل مُباشر بتركيا”.
تعثر التطبيع بين دمشق وانقرة
وبخصوص أن القصف على إدلب قد أتى بالتوازي مع تقارير تحدثت عن تعثر عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، وإمكانية أن تلجئ معها دمشق وموسكو لعملية عسكرية في إدلب، بيّن رئيس حزب سوريا أولاً لـ تارجيت: “واضح أن الزخم الذي تميزت به الجهود الروسية لتطبيع العلاقة بين سوريا وتركيا قبل الانتخابات التركية وواكبته جهود إيرانية داعمة قد تراجع وأصابه فتور، بعد فشلها في إحداث اختراق جدي وكبير، بعد التحولات التي طرأت على الموقف التركي”.
واستطرد: “فبينما كان قبل الانتخابات يناور ويعطي الجانب الروسي إجاباتٍ ووعوداً مُلتبسة حول استجابته للشروط السورية المعلنة لتطبيع العلاقة، والموافقة على لقاء الأسد وأردوغان، أعلن بشكل واضح وصريح وعلى لسان عدد من المسؤولين ومنهم أردوغان أنه ليس بوارد تنفيذ أي منها وخاصة شرط الانسحاب أو تحديد جدول زمني للانسحاب من الأرض السورية التي يحتلها، بل ازدادت وبقوة الإجراءات العملية التركية على الأرض السورية لفرض وقائع تؤكد هذا الموقف، وتُثبت أن النية التركية أكيدة بالبقاء طويلاً ولأجل غير محدود”.
“كل ذلك انعكس بالطبع تراجعاً بآمال التطبيع، وحدّة بالتصريحات السورية التركية المتبادلة ومن أعلى المستويات، ومن الطبيعي أن يترجم هذا الجو المتوتر بالعلاقة، تصعيداً ميدانياً على الأرض، حيث المواجهة المباشرة أو شبه المباشرة عبر الأدوات التركية من مجموعات مسلحة”، لفت “شبيب”، واستدرك: “لكنني استبعد في المدى المنظور، وضمن الظروف والمُعطيات الحالية، أن يكون هناك عملية عسكرية سورية روسية واسعة ضد هذه المجموعات”.
وأرجع شبيب الأسباب التي ترجح ذلك إلى أن “عملية واسعة تعني حكماً اصطداماً مباشراً مع الجيش التركي، ولا أعتقد أن العلاقة التركية مع كل من روسيا وإيران بمستواها الحالي، وهما حليفا سوريا الأساسيان تسمح بذلك، فحتى اليوم، ليس هناك قطيعة كاملة بين الجانبين التركي والسوري، بل أعلن منذ أيام أن الاتصالات تتواصل، وإن كانت على مستوى مُنخفض”.
وأكمل: “الوضع الداخلي السوري، وخاصة في ضوء تواتر المعلومات القادمة من العراق، وآخرها تصريح لنوري المالكي، تؤكد أن أمريكا تُحضر لعملية عسكرية لإغلاق الحدود السورية العراقية، وأيضاً الوضع المُتوتر في المنطقة الجنوبية، والاحتجاجات التي تشهدها مُحافظة السويداء، وحساسية هذه المنطقة التي هي على تماس مباشر مع إسرائيل وغيرها”.
مُستنتجاً: “وبالتالي، سنبقى ضمن جولات من التصعيد والتحركات والاشتباكات المحدودة، مثل التي نشهدها حالياً، خاصة على الجبهات التي تتواجد فيها المجموعات الإرهابية غير المُرتبطة مُباشرة بالجيش التركي”.
إدلب وأوكرانيا
وحيال إن كان للقصف على إدلب، علاقة بترحيب أنقرة بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وإعادة قادة كتيبة آزوف الأوكرانية من تركيا إلى أوكرانيا، والسماح التركي بانضمام السويد إلى الناتو، أشار “شبيب”: “منذ الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، كتبت وأعلنت ومن أكثر من موقع، أن تركيا ستكون من أكبر المستفيدين من هذه الحرب، نتيجةً لموقعها الجيوستراتيجي، وعلاقتها المميزة والمتداخلة مع طرفي الصراع، وسياسة أردوغان المعروفة باقتناص الفرص واللعب على عدة حبال بوقت واحد، ونهج الابتزاز الذي يجيده، وبالفعل لعبت تركيا أردوغان حتى قبل الانتخابات، دوراً متوازناً إلى حد ما، جعلها تُحقق مكاسب هائلة من الطرفين”.
ونوّه: “لكن نجاح أردوغان بالانتخابات، أعطاه شعورً من الثقة أقرب إلى الغرور، وحرره إلى حد كبير من الحاجة إلى دعم بوتين وأوراقه التي يمكن أن يقدمها له، خاصة بعد أن تأكد من غرقه في المستنقع الأوكراني، وعدم قدرة روسيا على تحقيق انتصار حاسم، مما يجعلها بوضع أشد ضعفاً وأكثر قابلية لابتزازه، وزيادة حدة الصراع وتحوله إلى شبه حرب عالمية، مما يزيد من حدة الاستقطابات، ويصعب عليه مهمة الاستمرار بلعب دور حاصد الجوائز، وفرض عليه اتخاذ مواقف أشد وضوحاً من الصراع كعضو مهم وأساسي في حلف الناتو، المنخرط حتى العظم فيه، ولا شك أن العلاقات التركية الروسية هذه الأيام ليست في أفضل حالاتها، وهناك امتعاض روسي، بعضه مكبوت وبعضه مُعلن، من عدد من الخطوات التي اتخذها أردوغان مؤخراً”.
وتوقع “شبيب” أن “يتصاعد التوتر بالعلاقة بين الطرفين خلال الشهور القادمة، وبما أن الأرض السورية قد أصبحت مع الأسف صندوق لتبادل الرسائل والضغوط بين عدد من الأطراف الإقليمية والدولية، وبما أن منطقة شمال وشمال غرب سوريا، تشهد تماس شبه مُباشر بين القوات التركية والروسية، فهي تشكل الجغرافيا المناسبة لترجمة التوترات الحالية والقادمة بينهما”، مُختتماً بالقول: “لا أستبعد أن يكون التصعيد الحالي، هو إحدى الرسائل النارية المُتبادلة بين الطرفين، والتي يمكن أن نشهد المزيد منها في الفترة القادمة، مع المزيد من خطوات الانقلاب الأردوغاني في المشهد الأوكراني الملتهب”.
ومعها، ربما من الجدير بأهالي إدلب خاصة، والسوريين عموماً، النظر إلى ما يجري في أوكرانيا، لتوقّع ما قد يحصل على أرضهم، وهي وإن كانت ضرباً من الخيال في السابق، قبل عامين فقط، لكنها اليوم تبدو حقيقة ينبغي على الجميع أن يتعامل معها بحكمة وحذر، فمناطق سورية كثيرة، تنتظر لهيباً بين أنقرة وموسكو، لتحريك المياه الآسنة فيها، ومنها عفرين ذات الخصوصية الكُردية، والتي أسُقطت بتفاهمات (موسكو-أنقرة)، وقد تعود لأهلها إلا مع تخاصم الطرفين.