أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جدلاً واسعاً خلال الأيام الماضية بعد استقباله بشكل علني عدد من ممثلي ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي يضم كثيراً من قيادات جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسي من عدة جنسيات، وهو اللقاء الذي يأتي في وقت من المفترض أن الرئيس التركي يبتعد عن تلك التيارات ولو قليلاً في ظل التقارب مع مصر ودول الخليج العربي.
أبرز من حضروا الاجتماع كانوا السورييون محمد راتب النابلسي وعبد الكريم بكار وأسامة الرفاعي والعراقي علي القره داغي والليبيان علي الصلابي والليبي وونيس المبروك والمصريان عمر عبد الكافي ومحمد الصغير والفلسطيني نواف التكروري والسعودي محمد مختار الشنقيطي واليمني عبد المجيد الزنداني والسوداني عبد الحي يوسف.
منصة “تارجيت” الإعلامية حاورت الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان والذي كشف عن كثير من الأمور المهمة والخطيرة التي جرى مناقشتها في هذا الاجتماع مثل مقترج الجامعة الإسلامية الذي يهدف إلى تقويض مكانة الأزهر الشريف وخلق مرجعية موازية، أيضاً ناقش مسألة تخفيف الضغوط التي قد تطال عناصر الإخوان والإسلاميين تركيا في إطار الإجراءات المتشددة ضد المهاجرين واللاجئين، مؤكداً أن أردوغان لم يتخلى عن ورقة الإخوان والإسلاميين.
نص الحوار
*كيف ترى توقيت انعقاد هذا الاجتماع ودلالته؟
– بالنسبة للاجتماع والذي دار بين الرئيس التركي ووفد ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فإنه يأتي بعد حملة شنتها وزارة الداخلية التركية وأجهزتها المختلفة ضد المهاجرين، وهذه الحملة شملت جميع الجنسيات سواء المصريين أو السوريين أو الأفغانيين وغيرهم من الجنسيات الموجودة في تركيا، وتأتي بالأساس لاسترضاء التيار القومي مع قرب الانتخابات البلدية المقرر انعقادها العام المقبل. وحزب العدالة والتنمية وإدارة أردوغان يدركان جيداً أنهما أخفقا بقدر كبير في الانتخابات البلدية السابقة وأن منافسيهم أصبحوا يشكلون ضغطاً على السلطة وعلى أردوغان وحكمه، وهذا الضغط يخصم كثيراً من رصيد الحزب والرئيس، ولهذا أطلقت تلك الحملة لإرضاء القوميين الذين لديهم موقف متشدد من المهاجرين واللاجئين الموجودين في تركيا حالياً، وبالتالي كان الوفد يريد تخفيف وطأة هذه الحملة التي طالت بعض عناصر جماعة الإخوان والتي فهم خطأ أنها كانت موجهة ضد الإخوان، لا هي كانت ضد جميع المهاجرين غير النظاميين.
*لماذا فهمت خطأ كما تقول؟
– لأن جماعة الإخوان وتحديداً جماعة الإخوان المصرية لها وضع أكثر استثنائية في تركيا مقارنة بأي جهة أخرى، إذا قبض على أحد عناصر جماعة الإخوان – بعلى سبيل المثال – كان يتم الإفراج عنه بمجرد التواصل مع السلطات التركية، ولهذا أقول إن الحملة ليست موجهة ضد الإخوان لكنهم تأثروا بها بلا شك، فقد كان هناك حملة مراجعات بشأن من تم منحهم الجنسية التركية حتى أن بعض من الإخوان تم تجريدهم من الجنسية بالفعل، كما أن تركيا رفضت استقبال أعضاء جدد من عناصر جماعة الإخوان المصريين تحديداً. وبالتالي نحن نتحدث عن حملة ملاحقة واسعة النطاق وكان حرياً بهذا الوفد الذي يضم أكثر من 20 شخصية جلهم من عناصر جماعة الإخوان أو من المقربين منها أو من مناصريها أن يجتمعوا من أجل الوساطة لتهدئة هذه الإجراءات التي تطال أعضاء الجماعة كغيرهم من المهاجرين، ولكن ليس هذا الهدف الوحيد فقط.
*قيل إن الاجتماع حمل تعهدات بتخفيف الضغط على الإخوان في تركيا حتى لو كان الحديث تحت مسمى المهاجرين.. ماذا يعني ذلك؟
– ليس فقط تخفيف الضغط على الإخوان بل ضد جميع المهاجرين، لكن علينا الأخذ في الاعتبار كما أشرت أن جماعة الإخوان المصرية يحظى عناصرها بمعاملة استثنائية في تركيا وهناك كيانات تعمل بنشاط كبير للتنسيق بين الجماعة والسلطات وألا يتم ترحيل من يتم القبض عليهم إلى مصر. وهذا يشير إلى أن الجانب التركي يتعامل بطريقة برجماتية للغاية في هذا الأمر، فهو أمام الإعلام يشن حملة ضد جماعة الإخوان ويحاول إقناع الجانب المصري بذلك، لكن في الواقع هو يبرر بأن ذلك يعود لأسباب قانونية بحتة وليس المستهدف جماعة الإخوان لأن بعض من حصلوا منهم على الجنسية تبين أنهم قاموا بتزوير بعض الأوراق المطلوبة وبالتالي أتى الأمر في إطار قانوني وليس إطار سياسي يتعلق بضغوط على الجماعة، لكن هذا ليس أهم ما في الاجتماع.
*ماذا تقصد بأن هذا ليس أهم ما في الاجتماع؟
– الاجتماع ناقش ما يسمى بالجامعة الإسلامية العالمية، هذه الجامعة بالأساس هدفها أن تكون مرجعية موازية للأزهر الشريف في مصر وأن تكون موجهة للعالم الإسلامي بالكامل، وهذا المقترح تقدم به المحسوبون على جماعة الإخوان وضمنهم ما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
*هذا موضوع خطير..
– بالفعل، محاولات الجماعة لإنشاء جهة موازية للأزهر الشريف قديمة والعمل أيضاً على خلق مرجعية بديلة محاولة قديمة، وإن كان المشروع تعثر من قبل بسبب مواقف بعض الدول الإقليمية لكن المحاولات لا تزال قائمة وهذا ما اتضح بجلاء من خلال المقترحات التي تم الدفع بها خلال اللقاء الذي جمع أردوغان بهذا الوفد.
*وماذا كان موقف أردوغان؟
– الرئيس التركي بدوره وعد ببحث هذا المقترح والعمل عليه، فهذا الاجتماع ربما نعتبره اجتماعاً تنسيقياً وستتلوه اجتماعات تنسيقية أخرى، لو لم تكن على مستوى الرئاسة ستكون على مستوى إدارة الشؤون الدينية وما إلى ذلك.
*كيف يمكن أن تنظر مصر إلى مثل هذا اللقاء خصوصا أنه كان هناك حديث عن قمة بين السيسي وأردوغان لكن تم تأجيلها لسبب غير معلوم؟
– في تقديري أن مصر وتركيا قررتا تجاوز ملف الإخوان وبحث التعاون والتفاهم في ملفات أخرى إقليمية أكثر أهمية مثل شرق المتوسط وليبيا وما إلى ذلك، وهذه الملفات التي يتم التركيز عليها في الوقت الحالي، وبالتالي ملف جماعة الإخوان لن يشكل عائقاً في التقارب بين القاهرة وأنقرة، لكن بالطبع هذه السلوكيات التركية تعطي إشارات للجانب المصري بأن الأتراك يعملون من أجل مصالح سياسية، وأن دوافع التقارب ليست نابعة من التفاهمات المشتركة وإنما من تلاقي المصالح بشكل وقتي وأن هذا التحالف لن يكون استراتيجياً ولكن تحالف في إطار ما يمكن تسميته بالدول الصديقة وهو مستوى أقل من المستوى الاستراتيجي للعلاقات بالطبع.
*وهل يمكن أن تكون مثل هذه الممارسات سسباً وراء تأجيل زيارة الرئيس المصري إلى تركيا؟
– لا أظن ذلك، لأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لن يقوم بمثل هذه الزيارة إلا وسيكون لها ترتيبات خاصة بين الجانبين وهذا معروف بروتوكولياً، وأظن أن الزيارة ستتم في وقت آخر وربما يكون قريباً.
*إلى أي مدى يكشف هذا اللقاء عن أن الإسلاميين لا يزالون ورقة مهمة لدى أردوغان؟
– أردوغان لم يتخلى عن الإسلاميين من الأساس، أردوغان هو ملك الجمع بين المتناقضات، فهو يستطيع توظيف أي فرصة سياسية يجدها لتحقيق هدفه أو تحقيق أي انتصار تكتيكي، الرجل لم يتخلى عن ورقة الإخوان ولم يقل إنه سيتخلى عنها وعن الإسلاميين بشكل عام، لكن زخم مشروعه العثماني السلطاني تراجع لعديد من الأسباب أبرزها الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا حالياً، كما أن أردوغان وحزبه وكل المسؤولين في تركيا أدركوا جيداً أن حلفائهم الإسلاميين لا يستطيعون تقديم أكثر مما قدموا، لأن كثير من عناصر جماعة الإخوان وقادة هذه التنظيمات عندما ذهبوا إلى تركيا قدموا أنفسهم باعتبارهم خبراء في الشرق وخبراء في المنطقة وأنهم يستطيعون إفادة الإدارة التركية بأرائهم. وقد ثبت لاحقاً أن كثير من التصورات التي قدموها بعيدة عن الواقع، وأردوغان يرى أنه لن يجني من تحالفه مع الإخوان والإسلاميين أكثر مما جنى وبالتالي سيستمر هذا التحالف لكنه لن يعول عليه كثيراً، وبالتالي سيكون الاعتماد على هذه الورقة في إطار معين وسيستمر في تحالفه معهم إلا إذا مضت العلاقة مع مصر ودول الخليج إلى مرحلة معينة.
*كيف تابعت دور الإسلاميين خلال الانتخابات التركية لا سيما أنهم أصدروا بيانات عدة تدعو لانتخاب أردوغان وحزبه وأعتقد أنهم تطرقوا لذلك في الاجتماع؟
– الإخوان تعاملوا مع هذه الانتخابات كمسألة حياة أو موت، لأنه كان معروفاً لديهم أنه لو حدث تغييراً في هرم السلطة في تركيا، فإن هذا يعني ارتدادات كارثية على الجماعة، ولهذا دفعوا بكل قوتهم في اتجاه دعم الرئيس التركي وإعادة انتخابه وأصدروا البيانات وكثفوا حضورهم بشكل كبير خلال فترة الانتخابات، كما أنهم بذلك أرادوا تجديد إثبات الولاء للرئيس التركي.