تتفاقم معاناة اللاجئين السوريين خلال الفترة الماضية وسط حديث عن توجه دولي ضاغط يهدف لإعادة هؤلاء الذين فروا من الحرب إلى دولتهم مرة أخرى والتخلص من قضية اللاجئين، حيث بدأ برنامج الأغذية العالمي اليوم وقف الدعم عن اللاجئين السوريين في الأردن الأمر الذي أبدت المملكة رفضها له وينذر بوضع كارثي لهؤلاء.
وكان نحو نصف مليون لاجيء سوري في الأردن يستفيدون خلال الفترة الأخيرة من الدعم المالي والغذائي لبرنامج الأغذية العالمي، لكن من اليوم لن يستفيد من دعمه إلا الأسر الأكثر احتياجاً، وذلك بحسب بيان سابق، كما أن هناك 50 ألف لاجيء سيتم حرمانهم بشكل تام من المساعدات المالية الشهرية، إلى جانب تخفيض المساعدات النقدية بقيمة الثلث لجميع المستفيدين منها من خارج المخيمات.
العالم يتخلى عن اللاجئين
في هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي الأردني جهاد الرنتيسي، في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية، إن تخلي البرنامج عن اللاجئين جزء من تخليات أخرى للبرنامج عن مهامه في أكثر من مكان في العالم؛ وبالتالي لا يمكننا أن نعزل هذه الخطوة عن بقية التخليات التي يقوم بها، والتي من شأنها مفاقمة المعاناة للاجئين.
وأضاف “الرنتيسي” أن القرار الخاص باللاجئين السوريين مع ممارسات شبيهة تقوم بها منظمات دولية أخرى، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تعني خفض خدماتها؛ نتيجة لأزمتها المالية ومن غير المستبعد أن تزيد من خفض سقوف الخدمات والمساعدات التي تقدمها للاجئين كذلك في سبتمبر المقبل، مؤكداً أنهمن الواضح أن هناك تحولاً دولياً للتخلي عن اللاجئين نتيجة للظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم.
وقال “الرنتيسي” إن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة الأعباء التي يعاني منها الأردن، سواء بالنسبة للسوريين أوالفلسطينيين، وستنعكس سلباً بدرجة كبيرة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للاجئين السوريين في المملكة، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنه مهما كانت الظروف، فإن اللاجيء السوري لا يعتقد أنه قد يفكر في العودة إلى سوريا.
وأوضح الكاتب الصحفي الأردني أن ما يصله عن الأوضاع المعيشية للشعب السوري في داخل سوريايفيد بأن هناك أوضاعاً مأساوية على الصعيد المعيشي، وبالتالي لا يوجد ما يشجع اللاجئين السوريين على العودة، وحتى لو كان الوضع سيكون صعباً في الأردن لكن مهما كان لن يكون بصعوبة الأوضاع الاقتصادية داخل سوريا.
ولفت “الرنتيسي”، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إلى أن أحد أسباب عدم تفكير اللاجئين السوريين في مغادرة الأردن كذلك أن تركيا لم تعد وجهة مفضلة، مع انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي وعمليات الترحيل التي تستهدف السوريين هناك، مضيفاً أن الهجرة إلى أوروبا، أيضاً، لم تعد سهلة بعد الأزمة الأوكرانية وإفرازاتها.
ويقدر عدد اللاجئين السوريين في الأردن بنحو 1.3 مليون لاجيء، بينهم حوالي 20% يعيشون في المخيمات مثل مخيم الزعتري، إذ يشكلون إجمالاً نحو 15% من سكان الأردن، وقد وفر برنامج الأغذية العالمية مساعدات غذائية لنحو 800 ألف لاجيء سوري بينهم 400 ألف طفل على مدار السنوات الماضية، ويعكس التراجع عن هذا الدعم خطورة كبيرة، نظراً لطبيعة هذا العدد المستفيد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في الأردن وارتفاع تكلفة المعيشة.
وكان وزير الخارجية الأردني انتقد قبل أيام قرار برنامج الأغذية العالمي وبعض المنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة بشأن تقليص المساعدات بشكل كبير للاجئين السوريين، مؤكداً على أن المملكة لا يمكنها أن تتحمل هذا العبء وأن هذه مسؤولية عالمية، داعياً إلى التراجع عن هذا القرار.
وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن بصفة عامة أنه سيقلص الدعم لنحو 2.2 مليون لاجيء من إجمالي 5.5 مليون لاجيء يستفيدون من خدماته حول العالم، خصوصاً الحصول على الاحتياجات الغذائية، وهو أمر يفسره البعض بأن سببه الأزمة الاقتصادية العالمية، وعزم كثير من الدول والمنظمات تخفيف الأعباء المالية.
وضع كارثي
بدوره، يقول رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تقليص هذا الدعم سيؤثر بشكل كبير على اللاجئين السوريين، وعلى ما يبدو أن هناك توجه دولي تجاههم لدفعهم إلى العودة لسوريا، والتي تعني فعلياً عودتهم إلى حضن حكومة دمشق أو مناطق سيطرتها، وهو ما يعني بشكل أو بآخر إنهاء ملف اللاجئين السوريين.
وأضاف “عبدالرحمن” أن الأردن كدولة غير قادرة على تحمل عبء وتكلفة وجود اللاجئين السوريين وإطعامهم ودعمهم، فكما نعلم المملكة الأردنية في النهاية استضافتهم وهي مشكورة، لكنها ليس لديها القدرات المالية التي تمكنها من توفير الدعم لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين، وكان يجب على المنظمات العالمية أن تدرس قراراتها جيداً قبل اتخاذها، لأن وضع هؤلاء سيكون كارثياً بامتياز، منتقدأ ما وصفه بالتمييز بين اللاجئين من قبل المنظمات الدولية في الأردن وتركيا ولبنان.
ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه لا توجد إمكانية لمغادرة هؤلاء اللاجئين الأردن، لأنه لا يوجد مكان، وإذا عادوا إلى سوريا فإنهم قد يواجهون الاعتقالات وكثير من الإشكاليات، فضلاً عن أن الوضع المعيشي والاقتصادي في سوريا مذري للغاية، حتى أن مرتب الموظف لشهر كامل لم يعد يكفه إلا ليوم واحد فقط بعد أن أصبح أقل من 10 دولارات شهرياً.
اجتماع لمناقشة الأزمة
وكان وزير الخارجية الأردني كشف كذلك عن أن بلاده ستتشاور مع الدول المستضيفة للاجئين السوريين في المنطقة بهدف عقد اجتماع من شأنه الاتفاق على استجابة مشتركة للقرارات الخاصة بالتراجع عن دعم اللاجئين السوريين سواء من قبل برنامج الأغذية العالمي أو غيره من المنظمات الدولية، ولاتخاذ إجراءات لتخفيف وطأة تلك القرارات.
وقد كشفت دراسة حديثة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أجرت بعض الأمور الصادمة بشأن أوضاع اللاجئين السوريين في الأردن إذ أن 85% منهم يعانون معاناة كبيرة جراء أعباء الديون والاقتراض من أجل شراء الغذاء ودفع الإيجارات، إلى جانب أن جميع اللاجئين المقيمين خارج المخيمات تعرضوا لتهديدات بالإخلاء من وقت لآخر، كما فقد كثيرون عملهم وانخفضت دخول 68% منهم.