سِياسي سُوريّ لـ”تَارجِيت”: “أسْتانَا” تَسعَى لِاغْتصاب إِرادة المجْتمع السُّوريِّ.. خَاصَّة الشَّمَال اَلشرْقِي

أصدر المشاركون في الجولة الـ20 لمباحثات أستانا التي تجمع أساساً (روسيا، إيران وتركيا) وشارك فيها أخيراً النظام الحاكم في دمشق، بياناً ختامياً، سلط في العديد من نقاطه، الضوء على الأوضاع في مناطق الإدارة الذاتية الخاضعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، مقابله تجاهله للوضع في محافظة إدلب، التي تخضع لسيطرة تنظيم هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة.

حيث أعرب ممثلو الوفود عن “عزمهم على مواصلة العمل معا لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، ومُعارضة الخطط الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية وتهديد الأمن القومي للبلدان المجاورة”، في إشارة كما يبدو إلى “الإدارة الذاتية”، التي تطالب بتحويل شكل الحكم في سوريا من مركزي إلى لا مركزي فيدرالي، يمنح جميع المكونات السورية، حقوق متساوية في إدارة مناطقها.

وأردف أطراف استانا: “ناقشنا الوضع في الشمال الشرقي من منطقة البحث والإنقاذ واتفقنا على أن تحقيق الأمن والاستقرار الدائمين في هذه المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحفاظ على سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، وتم رفض جميع المحاولات لخلق حقائق جديدة “على أرض الواقع”، بما في ذلك المبادرات غير القانونية للحكم الذاتي بذريعة مكافحة الإرهاب”، كما “كرر المشاركون معارضتهم للاستيلاء غير القانوني ونقل عائدات النفط التي يجب أن تنتمي إلى سوريا”.

وحول الوضع في إدلب، الخاضعة لـ”هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة”، والتي تنتشر فيها القواعد التركية، فقد قال المشاركون في استانا، بأنه قد “تم النظر بالتفصيل في الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب”، وتابعوا: “اتفقنا على بذل المزيد من الجهود لضمان التطبيع المستدام للوضع”، و”شددنا على الحاجة إلى الحفاظ على الهدوء “على الأرض” من خلال التنفيذ الكامل لجميع اتفاقات إدلب الحالية”.

 

أطراف تسعى إلى الهيمنة..

وعليه بدأ جلياً أن تركيز أطراف استانا، منصب في الوقت الحالي على استهداف الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وترك الوضع في إدلب على ما هو عليه، كونها تجد أن مصالحها لا تتضرر من النصرة، بقدر ما تتضرر به من وجود سلطة لها نفوذ محلي وعلاقات دولية.

وحول ذلك، قال “فراس قصاص”، وهو رئيس حزب الحداثة والديمقراطية، والمُنسق العام للائتلاف العلماني الديمقراطي السوري، في تصريح خاص لـ”منصة تارجيت”، بإنه “ليس لاي عاقل مؤمن بثقافة حقوق الانسان وبحقوق الشعوب في اختيار مصيرها وتكريس ارادتها على حياتها ومستقبلها، أن يشك بأن اطراف استانا، هم أطراف تسعى إلى الهيمنة، وإلى اغتصاب إرادة المجتمع السوري عامة، ومكونات ذلك المجتمع في شمال وشرق سوريا على نحو خاص، والالتفاف عليها انسجاماً واتساقاً مع مصلحة المستبد الذي هدم البلاد وأزهق حياة مئات ألوف السوريين، خدمة لمصالح أنظمتهم، الثيوقراطية في ايران ومركب الطورانية الإسلاموية الشعبوية في تركيا، واندماج الوطنية الاوليغاركية الامبريالية ذات النزعة العالمية في روسيا”.

مُستنتجاً: “وتالياً، فإن أي اجتماع ينعقد بين تلك الأطراف، وبغض النظر عن رقمه وتوقيته، لن يكون إلا مناسبة تعكس تركيبة أنظمتهم، ومحلاً يلحون من خلاله على ترسيخ مساعيهم صوب مُعاداة نزوع السوريين نحو الحرية ومحاربة أهم تمظهراتها الآيلة للتحقق في شمال وشرق سوريا”.

 

لا تنوي اتخاذ موقف متوازن..

وبخصوص قول أطراف استانا في بيانها الختامي، بأن “تحقيق الأمن والاستقرار الدائمين في شمال وشرق سوريا، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحفاظ على سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية”، قال “قصاص” لـ”تارجيت”: “في الواقع وقبل أي بيان صادر عن الاجتماع المذكور، ودون النظر إلى وصفها “بالانفصالية”، المضلل والخالي من الموضوعية من قبل أطراف استانا، دعت الادارة الذاتي الديمقراطية على طول خط الوجهة السورية نحو المستقبل”، مُتابعاً: “هذه الاطراف لا تنوي اتخاذ موقف متوازن من الحدث السوري، وأنها لذلك حين تجتمع، لن تبحث إلا عن مصالحها وعن تعميق هيمنتها على منتجات الحراك السوري وتفاعلات الثورة السورية”.

مُردفاً: “ومع ذلك، فلم تكن مقاربة قوى الإدارة وممثلي مجتمعها ومكوناتها للعلاقة مع هذه الأطراف، إلا محصلة لسياسة ذات رؤية ومرجعية سياسية ودبلوماسية، تطمح إلى تحقيق مصالح مكونات الشعب السوري في جميع انحاء البلاد، وفقاً للشرعية والمواثيق الدولية، في جوانبها التي ترعى حق الجوار وتعول على توفير كافة العوامل التي تساعد على تحقيق الامن والسلام الاقليمي والدولي”.

“وعلى تلك الأرضية المنشدة إلى وعي بالضرورة وانضباط المعايير، تشكلت سياسة مؤسسات الإدارة الذاتية وموقفها من هذه الأطراف ومن لقاءاتها المتعاقبة، واعية لكل الاخطار التي قد تنبثق عنها، بثبات ودون وجل”، يقول رئيس حزب الحداثة والديمقراطية، ويستطرد: “نعم الريبة والتوجس السياسي والقلق كانت على الدوام السمات الوصفية الإعلامية لموقف وسياسة الإدارة، لكن على المستوى العملي، اتسمت تلك السياسة بواقعيتها واستنادها على معطيات محلية ودولية، وقبل ذلك مبادئية وقيمية، تجعل من واقع ومستقبل الإدارة أكثر رسوخاً وفاعلية، مما قد يتخيل البعض”.

ورأى: “ًإذاً، وعلى تلك الأرضية من الوعي والثبات على المبادئ، لا جديد مختلف في موقف الإدارة الذاتية من اجتماع أستانا الأخير، عن سواه من الاجتماعات السابقة”.

 

الفيدرالية ضرورة ذات معنى وجودي لسوريا..

وحول ما إن كان هناك حل للوضع في سوريا، بعد أكثر من 12 عاماً من الحرب الأهلية في سوريا، إلا بالفيدرالية والحكم الذاتي لمختلف المكونات السورية، التي فقد قسم كبير منها الثقة بالآخر، تحدث “قصاص” لـ”تارجيت” فقال: “لا يمكننا القول إن الحل الفيدرالي في سوريا هو فقط حصيلة موضوعية لاشتعال الحدث السوري بآثاره الصعبة وحيثياته المعقدة”.

مُستدركاً: “بتقديري، كان لهذا الحدث دور كشفي هام، أكد فشل الصيغة المركزية للدولة، إذ أظهرت تداعيات هذا الحدث كم هي هشة البنية المركزية لهذا الكيان، وكيف أنها لا تتناسب مع التعقيد السوسيولوجي لسوريا، ناهيكم أن الصيغة اللامركزية للدولة تضمن بالمعنى البنائي للكلمة، ممارسة أوسع وأكثر سلامة للديمقراطية، تتحقق عبرها عدالة توزيع الثروة والسلطة، بين مختلف مدنها ومناطقها، ويتقوض من خلالها التهميش الذي غالباً ما يحصل للأطراف الجغرافية والإدارية، لمصلحة المركز فيها”.

ولفت قصاص إلى أن “الشكل التعددي اللامركزي للدولة، كلما اتسع حدوده، كلما تشكلت ضمانات موضوعية وطبيعية لتحقيق أفضل تفاعلات اجتماعية سياسية وإدارية بين كافة أرجاء البلد، وكلما أدى ذلك لتماسك نوعي غني وخلاق ينهض على العدالة والمرونة والكفاءة، وعلى تحقيق إرادة الشعب في أبعد جوهر لها”، منهيناً إجابته بعبارة: “الفيدرالية والصيغ اللامركزية للدولة، هي من وجهة نظري، ضرورة ذات معنى وجودي لسوريا، بكل ما يعنيه ذلك من معنى”.

 

الإرهابي مَن يستخدم مُسيراته للقيام بجرائم موصوفة..

من جهة أخرى، أعربت أطراف استانا عن عزمها على “مواصلة التعاون لمكافحة الإرهاب” وما اعتبرتها “الخطط الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتهديد الأمن القومي لدول الجوار، بما في ذلك الهجمات عبر الحدود والتسلل”، وهي اتهامات وصفت بـ”الخطيرة”، عبر الربط بين “الإدارة الذاتية” و”الإرهاب”.

وحولها، قال السياسي السوري: “هذه الاتهامات خطيرة، ليس فقط لطبيعة ما تقوله، بل لغياب موضوعية فحواها، وانعدام صدقيتها، ولعدم استنادها إلى عوامل واقعية وعيانية، فأن تتهم قوى تنوير وتحرير، آتية من عمق مجتمعها، مُعبرة عنه وعن إرادته خير تعبير، فذلك هو الختل بعينه، هذا هو التضليل والتمويه الذي يريد أن يحجب رهانات الدول التي تُحاول أن تلصق هذا الاتهام بمؤسسات الادارة الذاتية، رهاناتها على الهيمنة وتغييب إرادة مكونات الشعب السوري، وانتهاك حياته وتدمير مصيره”.

وتابع قصاص: “الارهابي هو ذاك الذي لا يتورع عن إلحاق الأذى والتدمير والقتل لإعاقة ملايين البشر في مناطق الإدارة الذاتية، عن تشييد حياتهم بسقوفها القيمية، الفلسفية والسياسية والاقتصادية، وفقاً لما يحقق مصالحهم، وتبعا لانحيازهم إلى مبادئ المساواة والعدالة والحرية والكفاية، كما تفعل وتريد هذه الدول”، و”الإرهابي هو ذلك الذي يتواطأ مع من قرر المجتمع الدولي برمته، إنه يمثل إرهاباً كامل الاركان، كهيئة تحرير الشام وداعش، وذاك الذي يستخدم مُسيراته للقيام بجرائم موصوفة، لقتل واغتيال المدنيين رجالاً و نساءً، رغبة في إرهاب وتخويف المجتمع وتقويض بناه الإدارية والمؤسساتية، كما تفعل الإدارة التركية في شمال وشرق سوريا”.

كما نوّه رئيس حزب الحداثة والديمقراطية إلى أن “مسمى الإرهاب الذي تتفق أو تكاد أطراف استانا على اتهام الإدارة الذاتية به، إنما يفضح الأنظمة التي أطلقته، ويظهر عوار سياساتها، ويكشف النقاب إما عن عنصرية واستعلاء بعضها، أو عن طائفية وقروسطية بعضها الآخر، أو عن إمبريالية وطنية مهووسة بالنظام الدولي، وتفعل كل موبقة، قتلاً كان أم تدميراً، كي تحقق أهدافها”.

واستتبع فراس قصاص: “على أن الهزال السياسي الذي وسم مُخرجات اجتماع استانا الأخير، لا يتوقف عند ذلك، بل يذهب أيضا وبافتعال مريع ومكشوف إلى إغراق الإدارة بصفات سياسية تنكرها ليس فقط أدبيات الأخيرة السياسية وإعلاناتها وبياناتها في كل مناسبة، بل كل سلوك وفعل وسياسة وأثر مادي يصدر عنها”.

مشيراً إلى أن “إلصاق النوايا الانفصالية التي تقوض وحدة سوريا، بتجربة الإدارة الذاتية، وإلحاق ذلك بتهديد الأمن القومي لدول الجوار، هي مُحاولة كيدية تأتي مع باكيت سياسة متكاملة، تريد إعاقة الشعب السوري عن جني ثمار ثورته في سوريا وفي شمال وشرق سوريا، وتقف وراءها أنظمة دول تُعرف طبيعتها ورهاناتها وانعدام مصداقيتها”.

 

تجاهل العلاقة بين النصرة وأنقرة في إدلب..

وبحسب البيان الختامي لأطراف أستانا، فقد استعرضت بالتفصيل الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتم الاتفاق على بذل المزيد من الجهود لضمان تطبيع مستدام للوضع بما في ذلك الوضع الإنساني، لكن دون أن يجري الحديث عن الإرهاب في إدلب، والمتمثل في تنظيم جبهة النصرة، الذي ينسق مع الطرف التركي، ويقيم الأخير نقاطه العسكرية بين مسلحي التنظيم، حيث يتغاضى العالم حتى اللحظة، عن تعاون النصرة وأنقرة في إدلب.

وبخصوص ذلك، قال رئيس حزب الحداثة والديمقراطية، إن “عدم حديث أطراف استانا عن إرهاب هيئة تحرير الشام في إدلب، وهي التنظيم الذي وسمته الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن بخصوص سوريا، بالإرهاب، أمر يظهر ويكشف تواطؤ أحد أطراف استانا وأقصد تركيا مع الهيئة والإرهاب، وامر يكشف للمجتمع الدولي من هو الإرهابي، وكيف يكون إرهاب الدولة، وإلى أي حد تقوض وتهدد أطراف استانا، الأمن والسلم الإقليمي وحتى الدولي”.

وعلل السياسي السوري “عدم تعبير المجتمع الدولي عن إدانته لتعاون أطراف استانا، ودعمها الضمني والمعلن للإرهاب”، بـ”أسباب طارئة تتعلق بما يمر به النظام الدولي من مرحلة مفصلية وتهديد، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، ولعوامل هيكلية أخرى لها علاقة بالمصالح والتحالفات، ومضي الإدارات السياسية للدول العظمى في العمل وفقاً لدينامية مصالحها الذاتية، ابتعاداً عن إرادة شعوبها وعن المبادئ، وثقافة حقوق الانسان حين تتعارض مع مصالحها”، قائلاً: “نُعاين جميعا صمتاً مريباً من قبلها، يستحق الإدانة، ويتطلب الكشف والفضح”.

ختام استانا..

وفي سياق اجتماع استانا، قال ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، إن “صيغة أستانا” ستستمر لكن بمكان آخر، وهو ما أثار الشكوك هو أسباب الإعلان، أكان نهاية للمصالح المشتركة بين أطرافها، أم إعادة لخلط الأوراق، وهو ما تطرق له فراس قصاص لـ”تارجيت”، وحاول تفسيره.

إذ قال: “في الواقع ما يجمع دول استانا، ليس خلافها حول جوهر ما يريدونه من سوريا، فهم يريدون منها الشيء ذاته، الهيمنة وتشكيل البلد تبعاً لمصالح كل منها، إنما هذه الأطراف جعلت من استانا محلاً لإدارة اختلافها على مصالحها في سوريا، وبسبب طبيعة أنظمتها المتشابهة في المواقف الرئيسية من السياسة الدولية، وبسبب التركيبة الايديولوجية لكل منها، والتي لا تتفق إلا على مُعاداتها لجوهر القيم الديمقراطية، وتتخفى خلف شكل صندوقراطي ومزيف عنها، تتباهى به تركيا وروسيا وحتى إيران”.

وأضاف: “لأن مصالح هذه الدول في الهيمنة، مُمتدة إلى فضاءات إقليمية ودولية أوسع من سوريا، فمن الطبيعي وعلى قاعدة التشابه والتقاطع ذاك، أن يوسعوا مناسبات استانا، لتتناسب وإدارة مصالحهم المتعددة والممتدة، لتشمل أماكن ومناطق أخرى أوسع”.

وختم السياسي السوري، حديثه لـ”تارجيت” بالتشديد على أن “ذلك بالتأكيد لا يشمل تغييراً لسياساتها في سوريا، ولا حتى الانكفاء عن تلك السياسات، بل يشي بترسيخ وإصرار، وربما لبحث سبل مُفاقمة تلك السياسات، من خلال مدها وتجذيرها وتصليبها عبر الوصول إلى أماكن أخرى”.

 

قد يعجبك ايضا