هل ينذر القصف الجوي والبري بتصعيد عسكري جديد على مناطق شمال غرب سوريا؟

ادلب ـ مراد العلي

في الوقت الذي تتسابق فيه تركيا وبعض الدول العربية الأخرى، للتطبيع مع حكومة دمشق وإعادة العلاقات معها، صعدت قوات النظام وروسيا من قصفهما الجوي والبري على القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس في أرياف إدلب وحلب وحماة شمال غربي سوريا. حيث نفذت المقاتلات الحربية الروسية التي غابت ضرباتها عن المنطقة لأكثر من أربعة أشهر، قبل نحو أسبوع، غارات جوية مكثفة ”تزامنت مع تزايد حدة القصف المدفعي والصاروخي“ على المناطق الواقعة جنوب طريق حلب – اللاذقية أو ما يعرف بـ m4 الذي يمر من وسط مدينة أريحا جنوبي إدلب، الأمر الذي أثار مخاوف الكثيرين من أن تكون بداية تصعيد عسكري محتمل قد يؤدي إلى خسارة المزيد من المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة ويتسبب بموجات نزوح جديدة إلى المخيمات، سيما بعد تعنت النظام السوري على الشروط التي وضعها في اجتماعات موسكو لقبول التطبيع وإعادة العلاقات مع حكومة أنقرة.

وتشير المعطيات العسكرية على أرض الواقع إلى جانب التصعيد الحالي الذي تشهده جبهات القتال في محافظة إدلب والأرياف القريبة منها بين قوات النظام وروسيا من جهة، وفصائل المعارضة المتمثلة بهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” من جهة أخرى، وفق نشطاء إعلاميين، إلى انهيار محتمل لاتفاقيات خفض التصعيد ونشوب مواجهات عسكرية جديدة بين الأطراف المتنازعة قد تحدث تغييراً بخريطة النفوذ، وذلك نظراً لتصاعد حدة الاعتداءات في الآونة الأخيرة فضلاً عن تبادل عمليات القصف العنيفة التي غالباً ما توقع خسائر بشرية ومادية عسكرية، ثم تتسع رقعتها لتطال منازل المدنيين وتوقع قتلى وجرحى منهم.

ما أسباب عودة القصف وهل ستشهد المنطقة تصعيد؟

قال العقيد الطيار “مصطفى بكور” المتحدث باسم فصيل جيش العزة العامل بريفي إدلب الجنوبي وحماة الغربي في تصريحات لمنصة ”تارجيت الإعلامية؛ إن تصعيد النظام وروسيا الأخير على المناطق المحررة له عدة دلالات، الأولى مرتبطة في العمليات العسكرية التي نفذتها الفصائل المعارضة مؤخراً خلف خطوط الجبهات، والتي أوقعت خسائر بشرية فادحة في صفوف عناصر النظام والميلشيات الرديفة له “بينهم ضابط روسي قضى بريف اللاذقية الشمالي وعناصر إيراينة قضوا غرب حلب”.

ويضيف، أنه يمكن ربط التصعيد الجوي والبري على شمال غرب سوريا بنتائج الانتخابات التركية التي انتهت بفوز رجيب طيب أردوغان رئيساً للبلاد بولاية جديدة، مشيراً إلى أن “حكومة دمشق” أرادت الضغط على الحاضنة الشعبية للثورة وعلى الفصائل التي احتفلت بفوز أردوغان، وتوجه لهم رسالة مفادها بأنه لا أمان لكم إلا في حضن الأسد.

أما عن زيادة حدة التصعيد واستمراره من قبل النظام يقول “البكور؛ إنه لا يعتقد بأن تشهد المنطقة تصعيداً عسكرياً واسعاً من قبل الأطراف المسيطرة في شمال غرب البلاد، لافتاً إلى أن ما يتم تداوله حول انسحاب للقوات الروسية من مدينة تل رفعت ومناطق أخرى بريف حلب (إذا صحت الأخبار وفق تعبيره) فإن هذا لن يكون إلا ضمن اطار اتفاق روسي – تركي قديم وقد حان الوقت لتنفيذه.

قصف بري وتحليق غير مسبوق لطائرات الاستطلاع

بعد أن اتهم مركز “المصالحة الروسي الذي يأخذ من قاعدة حميميم بريف اللاذقية مقراً له، الفصائل المعارضة المسلحة بالتصعيد ضد القوات الروسية والنظام السوري، تعرضت القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس في ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي، لقصف جوي وبري مكثف خلف أضراراً مادية جسيمة في الممتلكات العامة والخاصة فضلاً عن اشتعال الحرائق التي التهمت مئات الهكتارات من محصول القمح، يأتي ذلك مع استمرار تحليق المقاتلات الحربية وطائرات المسح والاستطلاع التابعة للنظام وروسيا بشكل كثيف وغير مسبوق فوق معظم المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة بإدلب. ويرى ناشطون مدنيون أن التصريحات الصادرة عن مركز المصالحة هي اتهامات مزيفة، وأنها عادة ما تأتي كمقدمة لعمليات التصعيد والقصف الذي يطول بمجمله المناطق المأهولة بالسكان المدنيين، وسط حالة تخوف من تكرار سيناريو التهجير لأهالي المنطقة إلى المخيمات الحدودية مع تركيا.

عيون النظام وروسيا على جبل الزاوية والـM4

يقول العقيد ”مصطفى بكور؛ إن منطقة جبل الزاوية وطريق حلب – اللاذقية هما هدف أساسي ورئيسي لدى النظام وروسيا، إذ يسعيان بكل طاقتهما للسيطرة عليهما بالتفاهمات السياسية من خلال اللقاءات والاجتماعات التي تجري في موسكو بين فترة وأخرى للسعي في استكمال تطبيع العلاقات بين حكومتي “دمشق وأنقرة” وذلك لأن الظروف الدولية لم تعد كالسابق، ووضع النظام السوري غير مناسب للبدء بأي عملية عسكرية واسعة بسبب انشغال روسيا في حربها على أوكرانيا.

وحول جاهزية فصائل المعارضة للمرحلة المقبلة، أوضح الناطق العسكري بأن الجاهزية القتالية الدفاعية منها والهجومية لدى الفصائل المنضوية في غرفة العمليات المركزية، جيدة إلى حد ما، وأصبحت أفضل من السابق بكثير بعد خضوع المقاتلين لدورات تدريبية متطورة وعلى مستويات عالية، إلا أن عوامل الوضع والقرارات الدولية واتفاقيات مسار أستانة بالإضافة إلى فعالية الطيران الروسي، تلعب دور مهم وحاسم في نتائج أي معركة تحدث هجومية أو دفاعية.

في ذات الإطار، قال مراقبون سياسي فيما يخص التصعيد العسكري وارتفاع وتيرة الاشتباكات وعمليات التسلل المتبادلة على محاور حلب الغربية وإدلب الجنوبية تحديداً، أن الطرفين (قوات النظام وفصائل المعارضة) يسعيان لكشف نقاط الضعف في المناطق الخارجة عن سيطرتهما تحسباً لأي عمل طارئ قد يطرحه حلفائهما عليهما بغية خلط الأوراق السياسية وإعادة ترتيبها من جديد بما يتماشى مع مصالح كل دولة والتشكيلات السورية التابعة لها، إذ من الممكن أن تحاول روسيا خلط الأوراق مع تركيا وتُقدم على دعم قوات “حكومة دمشق” بعملية عسكرية لاختراق مناطق المعارضة وخلق واقع عسكري جديد يفرض على داعميها تقديم تنازلات لصالح النظام السوري وإخضاع مناطق جديدة في شمال غربي البلاد لسيطرته، كما من الممكن أن تدعم “أنقرة” الفصائل المتواجدة في إدلب بعملية عسكرية للسيطرة على مناطق جديدة وإجبار موسكو على تقديم  تنازلات لصالح تركيا.

بينما يرى الناشط السياسي “أحمد المصطفى” أن ما جرى في اجتماع موسكو الرباعي في السادس والعشرين من أبريل\نيسان الفائت بين وزراء دفاع كل من سوريا وتركيا وروسيا وإيران، الذي ناقش موضوع انسحاب القوات التركية من داخل الأراضي السورية وتطبيق الاتفاق الخاص بالطريق الدولي حلب – اللاذقية، هو حدث مربوط بالغارات الجوية التي شنتها المقاتلات الروسية جنوبي إدلب بعد غيابها عن المشهد العسكري لعدة شهور مضت، وأوضح المصطفى في تصريح لـ “تارجبت” أن التصعيد الحاصل قد يكون مقدمة لعملية عسكرية محدودة للنظام السوري بمساندة الميلشيات الإيرانية، وتغطية برية وجوية من القوات الروسية، تهدف إلى التقدم والسيطرة على قمة جبل الأربعين التي يستطيع النظام من خلالها بسط سيطرته النارية على معظم طريق الـ m4 بالإضافة إلى المناطق الواقعة جنوبه كجبل الزاوية ومدينة أريحا والقسم المتبقي من سهل الغاب.

قد يعجبك ايضا