كواليس اعتزال “دميرتاش” العمل السياسي

القاهرة ـ محمد اسماعيل

قبل أيام أعلن صلاح الدين دميرتاش السياسي الكردي البارز في تركيا والرئيس المشترك الأسبق لحزب الشعوب الديمقراطي اعتزاله العمل السياسي النشط وذلك من محبسه في ولاية أدرنة، في واحدة من أكبر تطورات مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، على نحو فرض كثير من التساؤلات حول دوافع دميرتاش ومستقبل حزب الشعوب الديمقراطي وطبيعة العلاقة كذلك بين المكون الكردي والمعارضة التركية وكذلك نظام رجب طيب أردوغان.

ويبقى “دميرتاش” – الذي سبق وخاض سباق الرئاسة أمام أردوغان – قيد الاعتقال في محبسه منذ عام 2016، رغم أنه قد تمت تبرئته من قبل المحاكم المحلية في تركيا من التهم التي ألصقت له من قبل النظام التركي، وكذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي دعت للإفراج عنه.

التفاصيل المحيطة بقرار دميرتاش

وكتب صلاح الدين دميرتاش الرئيس المشترك الأسبق لحزب الشعوب الديمقراطي، عبر حسابه على تويتر، أنه يعتزل السياسة النشطة في المرحلة الحالية، كما تعهد بالعمل بأسلوب أفضل للتعلم من الانتقادات التي وجهت ضده، معبراً عن اعتذاره لعدم اتباع حزب الشعوب الديمقراطي ما أسماه “سياسة جديرة” بشعبه.

وجاء ما كتب السياسي الكردي البارز عقب ساعات محدودة من انتقادات وجهها هو بنفسه لحزب الشعوب، بسبب غياب استراتيجية فعالة في الانتخابات، حيث كان الحزب قد خاض سباق الانتخابات البرلمانية تحت راية تحالف اليسار الأخضر، خوفاً من قرار محتمل بإغلاقه وفرض الحظر عليه، لكنه حصل على عدد مقاعد أقل في البرلمان بـ 8.8%، مقارنة بالانتخابات البرلمانية السابقة التي كان لديه فيها 11.70% من المقاعد.

كما تزامن قرار “دميرتاش” مع فوز الرئيس التركي بالولاية الرئاسية الثالثة، في مواجهة مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، حيث صوت المكون الكردي بغالبيته لصالح رئيس حزب الشعب الجمهوري، فيما لم يقدم حزب الشعوب مرشحاً للرئاسة عكس ما جرى في انتخابات الرئاسة السابقة التي ترشح لها “دميرتاش” وحل فيها ثالثاً في مفاجأة كانت مدوية.

مفاجأة كبيرة في تفاصيل قرار دميرتاش

وفي مقال له بموقع “آر تي جيرجيك” التركي، شرح “دميرتاش” أسباب قراره، حيث سلط الضوء بشكل كبير على استراتيجية حزب الشعوب الديمقراطي خلال الانتخابات الأخيرة، مشيراً إلى تراجع حصة الحزب في البرلمان الجديد، ولفت إلى الضغط الهائل على الحزب مع طرد رؤساء البلديات المنتخبين واستبدالهم بمسؤولين حكوميين وحبس الآلاف من مسؤولي الحزب والمتعاطفين معه.

لكن رغم كل ذلك، قال “دميرتاش” إن قيادة الحزب كانت مسؤولة أيضًا عن النتيجة الباهتة بسبب الحملة الانتخابية السيئة واختيار المرشحين البرلمانيين دون مراعاة وجهات نظر قاعدة الحزب أو أخذها في الاعتبار بقدر كاف، وهذا الأمر على سبيل المثال لا الحصر بشأن أسباب تراجع حصة الكرد النيابية.

لكن القنبلة الأكبر، وفق ما وصفت مجلة “أل – مونتور” المهتمة بالشؤون الدولية، كانت ما كشفه دميرتاش عن عرضه الترشح كمرشح رئاسي للحزب لكن طلبه قوبل بالرفض، وقال دميرتاش: “تم رفض عرضي دون تفسير، وما زلت لا أعرف السبب”، معتبراَ أنه لو قدم حزب الشعوب الديمقراطي مرشحاً خاصاً به لانتخابات الرئاسة، لكان ساعد ذلك في حشد القاعدة الجماهيرية للحزب.

بل ويرى دميرتاش أن ترشحه للرئاسة كان أيضاً سيحول دون تصديق مزاعم أردوغان بأن منافسه كمال كليجدار أوغلو يتصرف بالتنسيق مع “الإرهابيين”، ومن المحتمل أيضاً أن هذا كان سينقذ كليجدار أوغلو من حرج الاضطرار إلى السعي للحصول على تأييد حزب النصر اليميني المتطرف بقيادة أوميت أوزداغ المناهض بشدة للاجئين في محاولة لجذب الأصوات القومية في جولة الإعادة، ليخسر مرة أخرى.

ويرى السياسي الكردي كذلك أن الدفع من قبل الحزب بمرشح رئاسي كان سيعطي نفوذاً حقيقياً لحزب الشعوب الديمقراطي، فقد كانت المعارضة على وجه الخصوص حينها ستضطر إلى تقديم تنازلات حقيقية من أجل جذب دعم الكرد لهم في جولة ثانية، وبالتالي ضمان إقبال الكرد بشكل كامل على انتخابات الجولة الثانية.

لكن السياسي الكردي البارز أكد أيضاً أنه لن يبتعد عن الحزب قائلا: “أنا لا أستقيل من حزب الشعوب الديمقراطي ولا من أي منصب”. وعلى الرغم من هذه الانتقادات التي وجهها دميرطاش لحزبه، لا تزال علاقاته مع قيادة حزب الشعوب الديمقراطي علاقة رفاق مبنية على الثقة المتبادلة.

قرار ناتج عن حصار سياسي

في هذا السياق، قال الدكتور بشير عبدالفتاح الخبير في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه عادة بعد كل معركة انتخابية فإن الطرف المهزوم يتجه إلى العزلة أو اعتزال العمل السياسي، وصلاح الدين دميرتاش محبوس منذ عام 2016 بتهم مختلفة، وبالتالي فهو يقبع خلف القضبان منذ سنوات في وقت يواجه حزبه ضغوطا كبيرة، ومن ثم كان مضطرا للعمل تحت مظلة أحزاب سياسية أخرى أو مسميات أخرى.

وأضاف “عبدالفتاح” أن هناك حصار سياسي واضح على دميرتاش وحزبه، فضلا عن أن هناك اتجاه قومي متنامي في تركيا ضد الكرد، وثبت ذلك خلال الانتخابات الأخيرة البرلمانية والرئاسية، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد تضييقاً ضد الكرد على المستويين الأمني والسياسي.

وتابع الخبير في الشأن التركي: “ولهذا فإن صلاح الدين دميرطاش فضل الانزواء إلى حين اتضاح المشهد السياسي في تركيا”، معتبراً أنه من الوارد بعد هذا القرار أن يكون هناك تخفيف للضغوط على الكرد، خصوصا وأن من مصلحة الرئيس التركي فعل ذلكأي تخفيف الضغوط على الكرد لعديد من الأسباب.

اتجاه لتصحيح المسار

وحول ما إذا كان قرار السياسي الكردي من شأنه رفع الحرج عن أي صفقة بين حزب الشعوب والنظام التركي مع اقتراب الانتخابات البلدية، يقول “عبدالفتاح” إنه بعد إعلان “دميرطاش” اعتزال العمل السياسي النشط، من الوارد أن تكون هناك استدارة في مواقف الكرد وحزب الشعوب الديمقراطي، لأن الحزب أدرك أن الرهان على المعارضة رهان خاسر.

وأضاف كما أن حزب الشعوب سيعاود الكرة مرة أخرى في الانتخابات البلدية المقبلة، خصوصا وأنه في الانتخابات البلدية التي جرت عام 2019 خسر أردوغان أو حزب العدالة والتنمية بلديات أنقرة وإسطنبول وإزمير وأنطاليا بعد دعم الكرد للمعارضة التركية، وبالتالي ربما يفكر الحزب الكردي حالياً في إعادة تصحيح مساره السياسي وهذا أمر وارد في السياسة التركية.

أردوغان في طريق وعر

مجلة “أل  – مونيتور” اعتبرت أن قرار “دميرطاش” يثير عديد من التساؤلات أبرزها حول ما إذا كان التحالف من قبل حزب الشعوب الديمقراطي مع حزب الشعب الجمهوري يمكن أن يستمر؟، أو ما إذا كانت هناك إمكانية لأن يقرر الكرد دعم أردوغان في الانتخابات البلدية المقبلة؟، مؤكدة أن القرار الكردي هنا أمر مهم لأنه بالتأكيد سيكون له انعكاسات على الكرد في سوريا والعراق.

وأضافت المجلة، في تقرير نشر مؤخرا، أن الكرد في الوقت الحالي يستعدون للعب دورهم المعتاد في الانتخابات البلدية المقبلة مارس 2024 والذي كان رئيسيا في انتخابات 2019، ولهذا فإن قرار دميرطاش ينذر بنقاش كبير حول المسار المستقبلي الذي سيتم رسمه قبل تلك الانتخابات.

في هذا السياق، يقول روج جيراسون الذي يدير مجموعة أبحاث واستطلاعات رأي في ديار بكر، إن أردوغان في طريق صعبة للغاية، ومن المؤكد أن لديه الكثير ليدفعه للعمل على جذب الكرد، حيث كشفت نتائج انتخابات 15 مايو أن كليجدار أوغلو وسع مساحة الولايات التي انتصر فيها، فلم يقتصر الأمر على أنقرة وإسطنبول كمناطق كانت خاضعة لهيمنة حزب العدالة والتنمية، بل امتدت انتصاراته إلى المقاطعات الغربية.

وأضاف “جيراسون” أنه إذا نجح كيليجدار أوغلو – من خلال معجزة ما – في الحفاظ على تماسك تحالفه الانتخابي الذي دخل به سباق الرئاسة وحصل كذلك على دعم الكرد قبل الانتخابات البلدية المقبلة، فيمكن للمعارضة أن تزيد من عدد البلديات الخاضعة لسيطرتها.

قد يعجبك ايضا