القاهرة ـ محمد اسماعيل
لم ينتظر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كثيراً بعد فوزه بانتخابات الرئاسة يوم الرابع والعشرين من مايو، ليكشف عن عزمه الإسراع في تنفيذ مخططاته لتغيير التركيبة الديمغرافية لمناطق شمال سوريا عبر ورقة اللاجئين الذين لطالما تاجر بهم، بالتعاون مع قطر التي تقدم التمويل لتنفيذ تلك المخططات الشيطانية.
وقد وضع صندوق قطر للتنمية ورئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية حجر أساس مشروع إنشاء ما أسموه “مدينة متكاملة في الشمال السوري”، وكان ذلك بحضور خليفة بن جاسم الكواري مدير عام الصندوق، وسليمان صويلو وزير الداخلية التركي، تحت زعم أن تلك المدينة تستهدف توفير العيش الكريم للاجئين السوريين الذين سيتم إعادتهم من تركيا، بينما كشف “أردوغان” أن الهدف نقل مليون لاجيء سوري إلى تلك المناطق.
تطهير عرقي وتغيير ديمغرافي بشراكة تركية قطرية
في هذا السياق، تقول ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تركيا لديها مشروعاً قائماً على كامل الشمال السوري، وفق الأدبيات التركية القديمة تسمى ولاية حلب، حيث استفادت تركيا من الأوضاع التي خلفتها الأزمة السورية وتغلغلت في الداخل السوري وقامت بعمليات احتلال عن طريق تفاهمات بينها وبين بعض الدول الأخرى.
وأضافت أنه عبر احتلالها لتلك المناطق أو المناطق التي تدار من قبل ما تسمى بـ “حكومة الإنقاذ”، وهي تابعة لها بشكل مباشر، والدولة التركية تطبق ما يعرف بالميثاق الملي، حيث تقوم بربط هذه المناطق بشكل أو بآخر مع المناطق الأخرى في الجانب التركي، و”أنقرة” لا تكتفي بهذا الأمر فقط، وإنما تقوم بعمليات تغيير ديمغرافي وعمليات تطهير عرقي لتلك المناطق.
وقالت إن عمليات التطهير ليست قائمة على العرق فقط بل كذلك التطهير الثقافي، وكافة سبل التطهير تمارسها تركيا في تلك المنطقة، وقد أسهمت دولة قطر بشكل كبير جداً مع تركيا في تطبيق هذا المشروع، من خلال إقامة مستوطنات، وقد شاهدنا كيف أنه تمت إقامة عدد كبير من المستوطنات في مدينة عفرين، وقبل عدة أيام كان هناك تدشين لمستوطنة جديدة في مدينة جرابلس بمشاركة وزير الداخلية التركي وهي بتمويل قطري.
استهداف للهوية السورية
وترى “موسى”، في سياق حديثها لمنصة “تارجيت”، أن تركيا تستهدف الهوية السورية، والسيادة السورية، وكل ما تقوم به تركيا من مساع تهدف إلى استقطاع أراض من سوريا، لربط المنطقة السورية بالطرف الآخر من تركيا، والعمل على إعادة تشكيل التركيبة الديمغرافية في الشمال السوري عبر بناء المستوطنات وجلب اللاجئين السوريين الذين ينحدرون من مناطق أخرى لإسكانهم في تلك المستوطنات، وهذا أمر من شأنه خلق فتنة سورية سورية.
وأشارت إلى أن مدينة عفرين كانت نموذجاً لذلك، حيث قامت تركيا بتهجير كل سكان عفرين واستقدام لاجئين ومهجرين سوريين من إدلب والغوطة وغيرها من المناطق السورية وإسكانهم في تلك المناطق، إلى جانب تغيير أسماء الأماكن والتعليم باللغة التركية واستخدام العملة التركية، وكل ما من شأنه المساهمة في محور تاريخ وهوية المنطقة وغيرها من المظاهر التي تشكل خطورة كبيرة جدا على سوريا.
جريمة ضد الإنسانية
وأكدت ممثل الإدارة الذاتية في القاهرة أن ما تقوم به تركيا عبر بناء تلك المستوطنات وتغيير التركيبة الديمغرافية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يرتكبها النظام التركي بحق الشعب السوري، حيث ترتكب هذه الجرائم خلال غزو تلك المناطق والتي لا تزال مستمرة، وهي جرائم تخالف جميع المواثيق والقوانين والعهود الدولية.
وأشارت السيدة ليلى موسى إلى أنه منذ اليوم الأول للاحتلال التركي يتم تسليط الضوء على كل ما تقوم به تركيا من جرائم، سواء دعمها للإرهاب أو عمليات التغيير الديمغرافي وعمليات تطهير عرقي، حيث ثم إعداد تقارير موثقة ويتم تقديمها لجميع المؤسسات والجهات المعنية بهذا الأمر.
واستدركت قائلة: “لكن مع الأسف ليس هناك تحركات جدية مع هذا المسار أو بشأن ما نقدمه، ولهذا تركيا تستغل هذا الظرف وتقوم بالمضي قدماً بممارساتها في سوريا، والنتيجة كانت بإعلان بناء مستوطنة جديدة في جرابلس”.
وفي ختام تصريحاتها، تطرقت “موسى” إلى موقف حكومة دمشق من الجرائم التركية، وقالت إنه بشكل أو بآخر حكومة دمشق تتحمل جزء من المسؤولية، فعلى سبيل المثال الوضع في عفرين كان بموجب مقايضة وفق مخرجات سوتشي وأستانة وتم استبدال الغوطة بعفرين، ومن ثم قامت تركيا بما قامت به منذ مارس 2018، والحكومة السورية بكل تأكيد تتحمل جزء من هذه المسؤولية وأيضاً الدول المشاركة في هذه المقايضة.
استغلال لورقة اللاجئين السوريين
وعقب فوزه مباشرة بالانتخابات الرئاسية، أعلن “أردوغان” ملامح خطته خلال الفترة المقبلة بشأن شمال سوريا وتحديداً التلاعب بورقة اللاجئين من أجل تنفيذ مخططاته لتغيير التركيبة الديمغرافية في تلك المناطق، إذ قال إن مؤسسات الدولة ومنظمات مدنية قامت بإنشاء منازل من الطوب في شمال سوريا، وأن العمل جار لبناء مساكن جديدة تستوعب نحو مليون سوري وذلك بدعم قطري.
وأشار أردوغان إلى أن وزير داخليته سليمان صويلو كان قد توجه إلى الشمال السوري، وأشرف على وضع حجر الأساس لمشروع المنازل، لافتاً إلى أن هذا المشروع يأتي في إطار ما أسماه تأسيس البنية التحتية لإعادة اللاجئين السوريين طواعية إلى بلادهم.
بدوره، يقول محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، في تصريحات لمنصة “تارجيت”، إن المشروع الذي تم الاتفاق عليه بين صندوق قطر للتنمية ورئاسة إدارة الطوارئ والكوارث التركية، لوضع حجر أساس مشروع مدينة في شمال سوريا، يأتي كجزء من “مخطط أردوغاني” ليس بجديد لإعادة تغيير التركيبة الديمغرافية لتلك المناطق، واستغلال ورقة اللاجئين السوريين والمتاجرة بها في عمليات ابتزاز وتسجيل نقاط سياسية تضاف إلى مكاسبه مما قام به من بناء منطقة عازلة من خلال مجموعة عمليات عسكرية شمال شرق سوريا.
وقال “الشناوي” إن جهود أردوغان منصبة على تغيير التركيبة السكانية في المناطق التي يحتلها بشمال سوريا، وكان له خطوات من خلال دعم التنظيمات الإرهابية بحجة تأمين الحدود، سواء كانت هذه التنظيمات من المرتزقة أو من يتسترون بشعارات الجهاد وغيرها، وهذا يتوازى مع تهجير السكان الأصليين وتوطين أتراك وليس فقط سوريين، في خرق واضح لسيادة سوريا.
وأكد مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط أن ما يقوم به الرئيس التركي تسبب في انتشار التنظيمات الإرهابية بتلك المناطق على مدى السنوات الماضية، ومسألة إعادة توطين اللاجئين السوريين الذي نزحوا إلى تركيا خلال سنوات الأزمة ما هي إلا إعادة إنتاج لملف اللاجئين بطرقة أخرى عبر إنشاء المدينة المتكاملة، بعد أن تاجر بهم لفترات طويلة.
وأضاف “الشناوي” وهو في ذلك يريد أن يقول إن سوريا غير مؤهلة لاستقبال لاجئيها الذين فروا بسبب دمار المناطق التي رحلوا منها، وهذا حق يراد به باطل، ولكن هدف أردوغان معروف وبعد فوزه بانتخابات الرئاسة فإنه سيمضي قدما في مخططاته التي ليست وليدة هذه اللحظة.