ادلب ـ مراد العلي
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال، اليوم الفائتين، بقصة المواطن السوري “ماهر الدغيم” المنحدر من قرى ريف إدلب، والذي رحلته السلطات التركية إلى قطر ثم العاصمة السورية دمشق مطلع الأسبوع الجاري بظروف غامضة، بعد تجميد أصوله المالية وسحب الجنسية منه ومن أفراد أسرته بالإضافة إلى طي جواز سفره وقيوده في السجلات المدنية، على خلفية اتهامه أواخر العام الماضي بارتكاب أعمال تدخل في نطاق جريمة تمويل الإرهاب.
وأشعلت قضية “الدغيم” الذي يملك شركة حوالات مالية تنشط في تركيا والشمال السوري وعدة مناطق أخرى منذ عدة سنوات، جدلاً واسعاً في الرأي العام المحلي والتركي خلال الساعات الأخيرة لاعتبارها جريمة إنسانية، سيما بعد تأكيد عائلته خبر اعتقاله من قبل فرع المخابرات الجوية السورية فور وصوله إلى مطار دمشق الدولي على متن طائرة مجهولة الهوية أجبرته السلطات القطرية على الركوب فيها بالقوة لحظة قدومه من مطار إسطنبول التركية، لتقلع فيه من الدوحة ليل السبت 27 أيار/مايو الجاري وتنقطع أخباره عن عائلته وأقربائه بشكل كلي.
من هو ماهر الدغيم؟
ينحدر رجل الأعمال السوري المعارض ماهر الدغيم من بلدة جرجناز بريف إدلب الشرقي وهو ابن عم “حسن الدغيم” (مدير إدارة التوجيه المعنوي فيما يسمى بالجيش الوطني السوري الموالي لتركيا)، انتقل للعيش في تركيا بعد عام من انطلاقة الثورة السورية بسبب ملاحقته من أفرع النظام الأمنية، وعمل فيها ضمن مجال الصرافة والحوالات ليصبح حينها أحد المستثمرين الكبار ومالك شركة حوالات تنشط في الولايات التركية ومناطق شمال وغرب سوريا، حصل الدغيم على الجنسية ومنحها إلى باقي أفراد أسرته كونه أصبح مستثمراً يساهم في تحسين اقتصاد البلد، وبينما كان يعتقد أن وصول الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري في أي وقت أصبح من الماضي والمستحيل كونه أصبح مواطناً تركياً، وجد “ماهر أبو أحمد” نفسه منتصف ليل السبت – الأحد الماضي معتقلاً من قبل فرع المخابرات الجوية التي كانت تنتظره مع الطائرة التي تقله من الدوحة التي حط الرحال بها قادماً من مطار إسطنبول التركية بعد احتجازه من قبل أمن المطار لستة أيام متتالية وتجريده من جنسيته وتجميد أصوله المالية على خلفية اتهامه بتمويل جماعات إرهابية داخل سوريا، وفق قرار صدر عن وزارة الخزانة التركية أواخر العام الفائت.
وكانت الجريدة الرسمية التركية قد نشرت في الثالث والعشرين من ديسمبر/كانون الثاني العام الفائت، قراراً حمل توقيع وزير الداخلية، سليمان صويلو، ووزير الخزانة التركي نور الدين نباتي، ينص على تجميد أصول المدعو ماهر الدغيم الحاصل على الجنسية التركية لارتباطه بشركة “DXN Milano للتجارة المتهمة بارتكارب أعمال تدخل في نطاق جرائم تمويل الإرهاب، إلا أن ماهر نفى هذه التهمة وأكد عدم ارتباطه بالشركة التي تعود ملكيتها إلى قريبه حسان دغيم، وأشار من خلال مقطع فيديو مصور أنه قدم الاثباتات الرسمية للقضاء التركي عن طريق محاميه الخاص، وعلى الرغم من ذلك تفاجأ حين عودته من السعودية إلى تركيا باحتجازه في مطار اسطنبول بعد إبلاغه بأن جوازه التركي لم يعد صالحاً للاستخدام وإنه بات مجرداً من الجنسية التركية دون سابق إنذار.
تفاصيل قصة الدغيم وكشف تورط تركيا بتسليمه للنظام السوري
بدأت قصة ماهر الدغيم قبل ستة أشهر عندما أصدرت وزارة الخزانة التركية قراراً ينص على تجميد أصول عدة شركات تعمل في مجال الحوالات المالية (من ضمنها شركة DXN Milano للتجارة التي تعود للدغيم وفق السطات التركية) مع الحجز على أموال مالكيها، متزعمة إن السبب وراء صدور القرار هو تورط هذه الشركات بتمويل الإرهاب.
خرج الدغيم في بث مباشر أجراه قبل أيام على وسائل التواصل الاجتماعي عندما علم بتجميد أصوله إلى جانب باقي أفراد أسرته، وأكد خلاله عدم صلته بهذه الشركة، كما أوضح أنه قام فور صدور القرار بتقديم الإثباتات التي تؤكد ذلك للسلطات التركية، وبسبب اطمئنانه لسلامة موقفه فقد غادر قبل شهر إلى السعودية من أجل أداء العمرة. وقال في البث المباشر: “سافرت بعد ذلك بجوازي التركي من الرياض إلى دبي، وبعد وصولي إلى هناك أخبرتني ابنتي بأن السلطات التركية أبلغتها حينما ذهبت لإجراء معاملة إدارية في إحدى مؤسسات الدولة، بعدم وجود قيود للعائلة”، ليتضح بعد توكيل محامٍ بأن السلطات عملت على سحب جنسية جميع أفراد الأسرة أو تجميدها، باستثناء طفلين ولدا على الأرض التركية.
ولفت دغيم، إلى أنه “قرر التوجه إلى البرازيل عبر العاصمة الإمارتية دبي من أجل تقديم لجوء فيها تحسباً لأي تفاعلات سلبية للموقف، وتمكن من مغادرة دبي بجواز سفره التركي ليصل إلى البرازيل بعد 13 ساعة طيران، إلا أن إدارة المطار أبلغته عند وصوله بعدم صلاحية الجواز الذي يحمله، وطالبته بالعودة إلى الوجهة التي جاء منها، وحين عودته إلى دولة الإمارات بالطائرة ذاتها، طُلب منه المغادرة فوراً إلى بلده التي يحمل جنسيتها وهي تركيا”.
وللوقوف على حيثيات قضية ماهر بعد عودته إلى مطار اسطنبول، تواصلت منصة “تارجيت” الإعلامية مع أحد أقارب الدغيم لمعرفتها، حيث كشف المصدر في تصريحات خاصة للمنصة، أن السطات التركية لم تسمح للدغيم بالخروج من المطار إلى منزله بعد هبوطه فيه بحجة أنه لا يحمل أي أوراق رسمية، وطالبته بالعودة إلى دبي التي كانت آخر محطة له قبل وصوله إلى العاصمة التركية، إلا أنه رفض العودة وطالب السلطات بترحيله إلى شمال سوريا، لكن الأخيرة لم تتجاوب معه واحتجزته في المطار إلى حين يأتي موعد رحلة الطائرة التركية التي تقلع كل أسبوع باتجاه دمشق مروراً بالدوحة، بحجة أنها سترسله إلى قطر لضمان سلامته من الاعتقال كونه أحد المطلوبين للنظام السوري.
وأكد مصدر “تارجيت” أن قريبه ماهر وصل إلى مطار الدوحة مساء يوم السبت الفائت على متن طائرة تركية، لافتاً إلى أن أمن المطار أنزله من الطائرة التي كانت تقله ثم أعاده إليها بغية التمويه وعدم الكشف عن الهوية الرئيسية للطائرة التركية، ليتم إبلاغه حينها بشكل علني أن وجهة الطائرة (التي أوقفت جهاز تتبعها عند دخولها الأجواء اللبناية) ستكون إلى دمشق، حيث سارع الدغيم حينها إلى مراسلة زوجته عبر تطبيق واتساب وأخبرها فيها بأنه أُجبر على الصعود في الطائرة السورية رغم كل محاولاته بالرفض والتي باءت بالفشل، لترد عليه الزوجة وتطالبه بالانتحار كي لا يقع بأيدي عناصر النظام.
جريمة الدغيم ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
حصلت “منصة تارجيت” على معلومات مؤكدة من مصادر أمنية عاملة في ميليشيات الجيش الوطني تفيد بأن جهاز الاستخبارات التركي وبالتعاون مع فرع الشرطة العسكرية التابع لميليشيا الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا والذي يتلقى أوامره منها بشكل مباشر، اعتقل في الآونة الأخيرة في منطقتي ”عفرين وأعزاز شمالي حلب” ما لا يقل عن خمسة أشخاص بينهم قادة عسكريين إثنين (تحفظت المصادر على أسمائهم) عملوا سابقاً في صفوف “الجيش الحر” الذي كان ينشط في ريفي حماة وإدلب قبيل سيطرة هيئة تحرير الشام على شمال غربي سوريا، دون معرفة الدوافع لاعتقالهم، وأكد المصدر أن أحد القادة العسكريين برفقة شخص آخر تم نقلهما إلى العاصمة التركية “أنقرة” منتصف شهر رمضان دون توضيح الأسباب حول ذلك، فيما لفت إلى أن المطلعين على ملفات المعتقلين الإثنين تلقوا وعود من المخابرات التركية بإعادتهما إلى فرع الشرطة العسكرية فور انتهاء التحقيقات معهما، إلا أن أخبارهما انقطعت بشكل شبه كلي بعد عيد الفطر بحجة أن التحقيقات معهما لم تنتهي بعد.
ويخشى مصدر “تارجيت” أن تكون الاستخبارات التركية قد اعتقلت هؤلاء الأشخاص لتسليمهم للنظام السوري بطلب منه، سيما أنه كان لهم تأثير واضح في المعارك التي شهدتها أرياف حماة وإدلب قبل خمسة سنوات.