حكومة دمشق “تتملص” من مخرجات اتفاق عمان

القامشلي 

منذ بدء عدد من الدول العربية تطبيع علاقاتها مع حكومة دمشق وعودة الأخيرة إلى مقعدها بالجامعة العربية، وحديث المحليين يتركز على أن نجاعة هذا التطبيع وإسهامه في تحقيق تقدم نحو حل للأزمة السورية، مرتبط بمدى التزام دمشق بالشروط العربية المفروضة عليها والاتفاقات التي تم التوصل إليها سواءً في عمان أو في جدة، إلا أن تصريحات مسؤوليها في هذا السياق توحي ببدء “تملصها” من هذه الشروط والاتفاقات.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، قال خلال مقابلة تلفزيونية في أعقاب القمة العربية التي عقدت بمدينة جدة السعودية وشهدت حضور الرئيس السوري بشار الأسد، “إن ما تم الاتفاق عليه في اجتماع عمان، هو أن الحل في سوريا “حل تدريجي” يبدأ بعودة اللاجئين وتحسين الأوضاع الاقتصادية في سوريا ومحاربة الإرهاب، نافياً أن يتم الحديث أن الحل السياسي وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة” الذي تم الإعلان عنه من جانب الأردن.

المقداد، أضاف خلال اللقاء، أن الحكومة السورية التزمت بقرار الأمم المتحدة 2254، وأجرت انتخابات رئاسية وبرلمانية إلى جانب انتخابات الإدارات المحلية، التي قال إنها تمثل التزاماً بالقرار الأممي، ولم تعترف بها الدول الغربية لأن من أسماهم بـ”عملاءها” لم يصلوا للسلطة، معتبراً في الوقت نفسه، أن العقوبات الغربية على سوريا لا أخلاقية وأضرت بالشعب السوري قبل أن تضر الحكومة، على حد تعبيره.

واستغل وزير الخارجية السوري اللقاء التلفزيوني، لشن هجوم على الغرب وخاصة الولايات المتحدة، التي وصف وجودها على الأراضي السورية بغير الشرعي، وأنها لجأت إلى قانون “مكافحة التطبيع” بعد أن فشلت مخططاتها بتمويل من أسماها بالجماعات المسلحة والجماعات الانفصالية، على حد تعبيره.

ويتضح من تصريحات المقداد، خاصةً فيما يتعلق بالقرار الأممي 2254، و “أن حكومة دمشق سعت لتنفيذ جميع بنود هذا القرار”، أنه لا نية لدمشق في المضي في مسار سياسي حقيقي يقود لإنهاء الأزمة، الأمر الذي يتناقض مع تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بعد انتهاء أعمال اجتماع عمان مطلع أيار/ مايو، التي قال فيها إن الاجتماع سيكون بدايةً لمسار سياسي يقوده العرب للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وأن الدول المشاركة فيه ستعمل مع الدول الشقيقة والمجتمع الدولي لمقابلة الخطوات الإيجابية للحومة السورية بخطوات مشابهة، وصولاً للحل السياسي.

حكومة دمشق لن تلتزم بأي تعهدات

الكاتب والمحلل السياسي سامر الخليوي قال في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن تنصل المقداد من تفاهم عمان أكده بشار الأسد في مؤتمر الخزي والعار حين أشار إلى عدم تدخل الجامعة العربية بالشؤون الداخلية للدول إلا في حال طلب منهم ذلك، مشيراً إلى أن من طبع معه يعرف أن بشار لم ولن يلتزم بأي تعهد أو اتفاق لذلك كان هم الذين طبعوا معه تحقيق أهداف تخص دولهم ومنهم الأردن الذي يهمه وقف دخول المخدرات وإبعاد المليشيات الإيرانية عن حدوده، وأيضاً السعودية لوقف تصدير المخدرات”.

التطبيع السعودي مع دمشق نتاج للاتفاق مع إيران

وأضاف الخليوي: “أن التطبيع السعودي الأسدي هو من نتائج الاتفاق السعودي الإيراني لمقاضاة سوريا باليمن، واعتقد أن بشار سوف يراوغ معهم ويبتزهم وهم يعلمون ذلك على أمل أن يحقق مطالب دولهم دون الحديث عن حل سياسي يطرح عليه، ومن طبع معه –وهو مدان أخلاقياً وقانونياً ودولياً- لن يوقف التطبيع إلا إذا حصلت تطورات داخلية سورية معارضة لبشار”.

وتعيد تصريحات المقداد التذكير بما تم التوصل إليه من اتفاقات على مدى سنوات الأزمة السورية – الأممية منها والإقليمية -سواءً مؤتمر “جنيف1 و2″ أو اجتماعات اللجنة الدستورية السورية أو حتى عمل اللجان الأممية والعربية والأممية التي تم إرسالها إلى سوريا، من حيث إبداء الموافقة بدايةً على أي مخرجات و”التملص” من تنفيذها أو الالتزام بها لاحقاً، وكيفية “الغوص” في التفاصيل الجانبية على حساب تنفيذ البنود بصيغتها الصريحة، ما يؤكد صحة التحليلات بصعوبة التنبؤ بمستقبل التطبيع العربي مع حكومة دمشق، لسبب أن دمشق لا يمكن أن تلتزم بأي اتفاق يتم التوصل إليه، كما أنها “مسلوبة الإرادة” لصالح كل من روسيا وإيران، اللتين تملكان نفوذاً واسعاً داخل البلاد سياسياً وعسكرياً.

محادثات أمريكية سورية بشأن مصير الصحفي تايس

يأتي ذلك، في وقت كشفت صحيفة “ذا كريدل” الأمريكية، أن الولايات المتحدة أجرت محادثات سرية مع وفد من حكومة دمشق بالعاصمة العمانية مسقط، مشيرةً إلى المحادثات ضمت شخصيات أمنية وممثلين عن وزارتي الخارجية الأمريكية والسورية، لبحث مصير الصحفي الأمريكي أوستن تايس المختفي في سوريا منذ عام ألفين واثني عشر، ومؤكدةً أن الوفد الأمريكي أصر أن لديه معلومات تفيد أن تايس لا يزال على قيد الحياة ومحتجز في سجون حكومة دمشق، الأمر الذي نفاه وفد دمشق.

ونقلت الصحيفة عن مصدر أمريكي مطلع على سير المحادثات ومسؤول عربي رفيع رفضت الكشف عن اسمه، أن المحادثات لم تتطرق إلى أي قضايا سياسية أو عسكرية باستثناء مطالبة وفد دمشق بانسحاب القوات الأمريكية من الأراضي السورية الأمر الذي لم يلق رداً من الجانب الأمريكي، في حين قال فيدانت باتل نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في إفادته الصحفية اليومية تعليقاً على التقارير عن المحادثات مع حكومة دمشق، إن الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع أي شخص يمكنه المساعدة في إطلاق سراح الرعايا الأمريكيين، نافياً أن تكون هذه المباحثات ذات طابع سياسي.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي سامر الخليوي، “فإن المحادثات الأمريكية الأسدية برعاية أردنية أمر معروف ومتوقع خاصةً بعد تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن لعائلة المختطف الأمريكي لدى نظام الأسد بأنه سوف يطرق كل الأبواب في سبيل ذلك، ولا أعتقد أن الموقف الأمريكي سوف يذهب بعيداً بذلك، خاصةً أن أمريكا أقرت “قانون الكبتاغون” وهي بصدد مشروع قانون جديد يعاقب من يطبع مع الأسد، وقد يكون تغاضي أمريكا عن تطبيع بعض الدول الحليفة معه من أجل إطلاق سراح المعتقل الأمريكي، ومن أجل أن يتبعه تطبيع مع إسرائيل خاصةً السعودية، كما أن الأردن وهو عراب التقارب مع بشار إلى جانب “رأس الأفعى” بن زايد، يريد أن يلعب دور لصالح أمريكا ليكسب ودها أكثر وعدم معاقبته على تقاربه مع بشار”.

وتفنّد التصريحات الأمريكية السابقة ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام العربية، بشأن محادثات سياسية سورية أمريكية في عمان ومناطق أخرى، وتسلط الضوء مجدداً على المعارضة الأمريكية لأي تطبيع مع حكومة دمشق أو رفع العقوبات عنها قبل الوصول لحل سياسي للأزمة، و “توعدها” الدول المطبعة بـ”عواقب وخيمة” بموجب قانون “مكافحة التطبيع” الذي أقرته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي قبل أيام.

قد يعجبك ايضا