القاهرة ـ محمد اسماعيل
لا تزال عودة حكومة دمشق إلى جامعة الدول العربية ومشاركة بشار الأسد في قمة جدة تشغل كثير من مؤسسات البحث العالمية، منها تحليل هام نشر عبر موقع المجلس الأطلسي الأمريكي وهو مؤسسة بحثية أمريكية كبيرة يجزم بأن العرب حساباتهم خاطئة عندما يعتقدون أنهم بإعادة بشار إلى الجامعة فإنهم بذلك سيقلصون النفوذ الإيراني في سوريا.
التحليل الذي كتبه ديفيد داود وهو زميل غير مقيم في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي يقول إن إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية خطأ استراتيجي، فعلى الورق يبدو المنطق وراء هذه الخطوة سليما، إلا أن الواقع غير ذلك، مشيراً إلى أنه خلال الجزء الأكبر من العقد الماضي، كان معظم العالم العربي يأمل في أن تؤدي الانتفاضة السورية إلى إزاحة نظام بشار الأسد، لكن من الواضح أن تلك الآمال كانت في غير محلها، وما حدث باختصار أن الأسد فاز.
خطأ خيارات العرب في العلاقة مع حكومة دمشق
قبل كل شيء، يقول التحليل إن أوضح اعتراض على إعادة إدخال نظام الأسد إلى الجامعة العربية هو اعتراض أخلاقي، موضحا أن جرائم الأسد خلال العقد الماضي واضحة وتجعله مختلفا عن غيره من الحكام المستبدين في الشرق الأوسط، والآن خرج منتصرًا في الحرب الأهلية السورية بقتل مئات الآلاف من شعبه، وجرح وتعذيب عشرات آخرين، وتشريد ملايين آخرين، وقد تسبب انتصاره هذا الملون بالدماء في ألم لا يقاس للشعب السوري وقد تستمر آثاره لعقود.
ويقول التحليل بعيدا عن الجانب الأخلاقي الذي قد لا يكون له مكاناً فإن الواقع ونتائج الحرب الأهلية السورية قدم للعالم العربي خيارين: الأول هو مقاطعة الأسد بشكل دائم والسماح للهيمنة الإيرانية على سوريا بالاستمرار في النمو، وفي غضون ذلك، فإن هذه العزلة الدبلوماسية – إلى جانب حصار مالي في شكل عقوبات بقيادة الولايات المتحدة – ستمنع عودة سوريا أو إعادة إعمارها. ويضيف: “وعند هذا الخيار سيستمر الشعب السوري في المعاناة من حكم الأسد الديكتاتوري ومختلف أوجه النقص والحرمان التي سببتها حربه المدمرة، والتي ستزداد تعقيدًا بالعقوبات”.
أما الخيار الثاني – وهذا هو المسار الذي يختاره العالم العربي حاليا – فإنه يقوم على إمكانية بذل محاولات لإغراء هذا النظام بالابتعاد عن طهران، وإعادة العلاقات معه على مضض لخلق مواجهة ضد النفوذ الإيراني غير المقيد. إلا أن التحليل يؤكد أن المنطق الذي يقوم عليه الخيار الثاني- أي إعادة الأسد إلى الفلك العربي – غير سليم، ومبني على فرضية خاطئة مفادها بأن لا يزال هناك في سوريا أو لدى الأسد نظام مستقل يمكنه الابتعاد عن طهران.
بشار الأسد مجرد رئيس بلدية
وفق التحليل، واقعيا الآن يمكن اعتبار الديكتاتور السوري بشكل عملي “رئيس بلدية دمشق”، الذي يحكم تلك الإقطاعية حسب رغبة إيران، وبغض النظر عن مقدار الدعم العربي الذي يتمتع به، لا يمكن لبشار الأسد أن يطلب من إيران مغادرة بلاده طواعية، في الوقت ذاته فإن ضمان عدم وقوع سوريا كما يضرب المثل في أيدي العدو هو أمر وجودي بالنسبة لطهران.
وأعاد التحليل إلى الأذهان ما صرح به مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى حين وصفوا سوريا بأنها “المقاطعة الخامسة والثلاثون” الإيرانية للتأكيد على أنهم ينظرون إلى النشاط المناهض لإيران في سوريا على قدم المساواة مع الاضطرابات الداخلية، مضيفاً أن الإيرانيين أيضا ببساطة يدركون أن الأسد لا يمكنه السيطرة على البلاد دون وجودهم وسيطرتهم.
بالإضافة إلى ذلك، أنفقت إيران كثير من الدماء والأموال ورأس المال السياسي في سوريا ولا يمكن للأسد طردهم بالقوة، حيث تم تدمير جيشه بسبب الانشقاقات خلال الحرب الأهلية والقتال، ومنذ عام 2016، تحمل حزب الله والميليشيات الأخرى التي تعمل بالوكالة التابعة لإيران العبء الأكبر لمحاربة قوات المعارضة وتولوا السيطرة على الأرض، في المقابل، لعب الجيش السوري دوراً رمزياً وثانوياً.
ويرى تحليل المجلس الأطلسي الأمريكي أن هذا هو السبب في أن هذا الجهد لإقناع الأسد بالعودة إلى الحظيرة العربية – الرؤية التي طرحتها الإمارات العربية المتحدة في وقت مبكر من عام 2016 والآن بقيادة السعودية بحماس منذ أواخر مارس 2023 – من غير المرجح أن ينجح، لأنه ببساطة لم يتبق سوى القليل من سوريا المستقلة للعمل معها، ولا يمكن للتدخل العربي في سوريا أن يعالج هذا القصور، لأنه مهما فعل من غير المحتمل أن يكون الدور العربي عميقاً أو متطفلاً في الشؤون الداخلية للبلاد مثل إيران.
الخليج يكرر نهج لبنان
يواصل المجلس الأطلسي الأمريكي انتقاده للسياسة التي تتبعها دول الخليج العربي في التعامل مع بشار الأسد، ويقول إن دول الخليج تقود العالم العربي فعلياً إلى تكرار نهجها القديم في التعامل مع جار سوريا، لبنان، والذي فشل هو الآخر في تحقيق أي نتائج تتعلق بالنفوذ الإيراني، هذا على الرغم من أن نفوذ إيران – من خلال وكيلها حزب الله – يتضاءل في بيروت أكثر منه في دمشق، بسبب طبيعة الحكم والسياسة في لبنان.
ويرى التحليل أن ما حدث في لبنان بشأن مواجهة الخليج للنفوذ الإيراني بنفس السياسة كان العكس، فقد استغل حزب الله الاستقرار الذي وفرته المساعدات الخليجية لبيروت لينمو أكثر داخل لبنان، ويمكن توقع أن تفعل إيران الشيء نفسه في سوريا، لا سيما إذا تمكنت مساعدات إعادة الإعمار من دخول البلاد.
وفي الختام، يقول التحليل إنه يجب ألا يكون انتصار الأسد في الحرب الأهلية السورية تذكرته للعودة إلى المجمتع الدولي، بما في ذلك العالم العربي، لأنه حقق انتصاره بذبحه بلا رحمة مئات الآلاف من شعبه، مضيفاً أن إعادة العلاقات معه لن تخفف من معاناة السوريين الذين بقوا تحت نظامه، ولن تعود كذلك الفائدة النهائية للنهج الخليجي كذلك على بشار الأسد فحسب، بل ستعود أيضاً الفائدة على القوة التي تسيطر عليه وتبقيه في القصر الرئاسي وهي “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
إيران قد تطيح ببشار الأسد
وتعليقاً على ما جاء في التحليل، يقول المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه منذ بداية التحركات العربية لإعادة حكومة دمشق إلى الجامعة العربية وهو يرى أنها تحركات بلا فائدة ولن تحقق شيء ملموس على أرض الواقع فيما يتعلق بمحاربة النفوذ الإيراني في دمشق، لأنه بكل بساطة رقبة بشار الأسد بيد النظام الإيراني والاثنين شركاء في الإجرام بحق الشعب السوري.
وأكد “العبيدي” أن بشار الأسد يدرك جيدا أنه لو فكر مجرد التفكير في الانحياز للعرب ومحاولة تقليص النفوذ الإيراني، فإنه سيتم الانقلاب عليه والإطاحة به من الحكم، متساءلا: “إذا كان حكم بشار الأسد في الوقت الحالي قام على الدعم الإيراني والروسي، فكيف يتصور العرب أنه يمكنه إن يقلص نفوذ طهران؟، وأيضاً كيف يتصور العرب أن طهران ستترك حكومة دمشق لتقلص نفوذها أو تسمح بذلك؟.
ويرى المحلل السياسي العراقي أن النفوذ الإيراني بلغ مرحلة اللا عودة في سوريا، وبشار الأسد “مجرد لعبة” بأيدي نظام طهران، وقد تشاركا في قتل الشعب السوري وارتكاب الجرائم بحقه، مؤكدا أن بشار الأسد نفسه يعلم أن أي محاولة لتقليص النفوذ الإيراني أو الابتعاد عن طهران هي بمثابة “لعب بالنار” من قبله، وأن ثمن أي خطوة كهذه سيكون باهظا بالنسبة له مهما كان حجم الدعم العربي.
ورغم تهليل كثير من الأوساط العربية لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية باعتبار أن ذلك فرصة لمواجهة النفوذ الإيراني، إلا أنه في المقابل كانت الأوساط السياسية في طهران تحتفي بذلك وتعتبره انتصارا كبيرا تحت مسمى “انتصار محور المقامة” المزعوم.