القامشلي
انتهت في مدينة جدة السعودية مساء الجمعة أعمال القمة العربية الثانية والثلاثين التي شهدت حضور الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ ألفين وأحد عشر، بعد إعلان عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية قبل أيام واستئناف مشاركة وفود حكومة دمشق بأعمال الجامعة والهيئات التابعة لها.
وإلى جانب القضية الفلسطينية والحرب السودانية واليمنية وأزمة ليبيا، كانت الأزمة السورية و”عودة سوريا إلى حضنها العربي” محور أعمال القمة وكلمات الرؤساء والأمراء والملوك العرب، الذين أعربوا عن أملهم في أن تسهم هذه العودة في التوصل إلى اتفاقات تقود إلى حلول للأزمة السورية التي تجاوزت عامها الثاني عشر، بما يضمن سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها بعيداً عن التدخلات الخارجية في شؤونها ورفض أي وجود عسكري غير شرعي بسوريا، والتشديد على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية لمساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، وتعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
الأسد يتحدث عن “الانتماء” ويدعو لتطوير الجامعة العربية
الرئيس السوري بشار الأسد، تحدث في كلمته خلال القمة عن “الانتماء العربي الحقيقي والعابر أو المزيف”، داعياً إلى ضرورة تطوير الجامعة العربية وميثاقها ونظامها الداخلي ليواكب ما أسماه بـ”تطورات العصر”، لكن الملاحظ في البيان الختامي للقمة وفي كلمات القادة والرؤساء بشأن سوريا هو تجديد التأكيد على ما تضمنه بيان عمان من ضرورة محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات على الحدود السورية وضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في حين غاب الحديث عن الحل السياسي وفق القرارات الأممية، باستثناء كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي طالب بإيجاد حل للأزمة السورية وفق القرار الأممي اثنين وعشرين أربعة وخمسين.
شروط عربية على حكومة دمشق
رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي قالت في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن لديهم معلومات عن أن زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق كانت لإيصال شروط معينة لبشار الأسد لينضم للجامعة العربية، ودون تحقيق هذه الشروط أو الالتزام بتحقيقها لا يمكن أن يعود للجامعة، وضمن هذه الشروط تحقيق القرار الأممي 2254، وعليه فإن حضوره للقمة يعني أنه ملتزم بتحقيق هذه الشروط التي وضعتها عليه السعودية والدول العربية لقبوله مرة أخرى بالجامعة العربية”.
وتضيف البقاعي، “أن بشار الأسد في موقف حرج جداً فهو قرر أن يقبل الشروط، لكن خطابه خلال القمة كان متناقضاً مع قبوله لهذه الشروط، ولأننا لا نثق به لا نعرف ما تحمله الأيام القادمة، لكن المعروف أن المملكة العربية السعودية مصممة خلال رئاستها للجامعة العربية، على تحقيق انتقال سياسي عادل في سوريا بناءً على القرارات الأممية.
المعارضة السورية فشلت في كسب الأطراف العربية والدولية
من جانبها، تقول الباحثة والسياسية السورية لمى الأتاسي: “إن استقبال المملكة العربية السعودية لبشار الأسد واستعادته إلى حضن الجامعة العربية، شكل خيبة أمل كبيرة بل صدمة لأغلب السوريين وبالذات ملايين المهاجرين والنازحين، لكن هذا يجب أن نسأل عنه قادة “الائتلاف”، هذه النتيجة تتحمل مسؤوليتها قيادات المعارضة بكافة أطرافها الممثلين للشعب السوري الثائر الذين صادروا كلمة الشارع على مدى 12 عاماً وأضاعوا فرصة تاريخية، ولم يفعلوا ما يلزم لكسب ثقة الأطراف العربية والدولية بتوازن وبالذات المملكة العربية السعودية.
وتضيف الأتاسي في حديث لــ”تارجيت”: “إنه لا فائدة اليوم من شتم القادة العرب المرحبين ببشار الأسد، بل يجب التصرف كسياسيين وليس كصبيان عاطفيين، ويجب سؤال قادة “الائتلاف” ما هي خطتهم ومشروعهم القادم، وهل لديهم استراتيجية مع خطة عمل، مشيرةً إلى أنه منذ البداية لم تكن مواقف المعارضة الرسمية متزنة وصريحة ولم تملك هذه المعارضة أي استراتيجية سورية، فهم يدعون تمثيل الشارع ولكن في الوقت ذاته لا يريدون إغضاب إيران بناءً على طلب قطر وتركيا، كانوا يعادون الأسد ويودون إيران عبر قطر كما أنهم كانوا وما يزالون يتبعون إما لقطر أو تركيا رسمياً، ومن هنا كان رفض برهان غليون مثلاً لأي تدخل خارجي في البداية، وهكذا كان يصرح لوكالات الإعلام الغربية، لكن السؤال كيف يريدون إزاحة الأسد دون تدخل خارجي”، وأعادت الأتاسي التذكير “بأن رئيس المجلس الوطني السوري معاذ الخطيب عندما أعطي كرسي وكلمة في مجلس الجامعة العربية ذم قادة العرب وهو في حضنهم وقال لهم اتقوا الله في شعوبكم”.
مشاورات مع الغرب بشأن العلاقات مع سوريا
وقبيل انطلاق أعمال القمة العربية بجدة، دعا الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، حكومة دمشق إلى التفاعل مع مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، مشدداً على وجود رغبة لدى الدول العربية في أن تكون عودة دمشق للجامعة بداية للولوج في حل للأزمة السورية، في حين قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أبو الغيط بعد انتهاء أعمال القمة: “إنهم سيتشاورون مع شركائهم الغربيين والأمم المتحدة بشأن العلاقات مع سوريا وضمان “عودة آمنة” للاجئين السوريين، وذلك رداً على سؤال حول مدى إمكانية المضي بخطوات التطبيع مع دمشق والبدء بإجراءات إعادة الإعمار في سوريا في ظل استمرار العقوبات الغربية على دمشق واستمرار الرفض لأي إعادة للعلاقات معها قبل الدخول في مفاوضات تقود إلى حل سياسي للأزمة.
الباحثة والسياسية السورية لمى الأتاسي، أوضحت أن “المعارضين كانوا يطالبون الغرب بمساندتهم وهم يشتمونه ويوحدون موقفهم مع حلف إيران و”الممانعة” في قطر وكذلك ذات الموقف المعادي للملكة العربية السعودية وقراراتها، مشيرةً إلى أنهم ألغوا بقية الأطراف السورية واحتكروا القرار وفيما بعد مارسوا الفساد فيما بينهم على حساب النازحين وكثرت الانشقاقات بصفوف المعارضة، ويمكن القول باختصار أنهم هم من قادوا الثورة إلى الفشل ويتحملون مسؤولية ذلك، ومعتبرةً في الوقت نفسه أن استقبال بشار الأسد في الجامعة العربية رغم أنه أمر مؤسف، إلا أنه يجب أن يكون محفزاً للسوريين المعارضين الشرفاء لكي يتحركوا بحكمة ويعيدوا مسار الثورة لصوابه بعيداً عن التجاذبات الإقليمية ومصالح فئات وأحزاب وشخصيات بعينها، علهم يقنعون العالم بكفاءتهم وقدرتهم على قيادة سوريا بدل الأسد وعصابته، ومعربةً عن أملها أن لا تنسي دعوة بشار الأسد للقمة السعودية دماء وجروح ملايين السوريين الأبرياء”.
واعتبرت الأتاسي أن ما يتم هو عبارة عن لعبة سياسية، وأن الهدف النهائي للملكة العربية السعودية هو في اليمن وإيران وليس عند بشار الأسد، وأنه لا تزال هناك فرصة أمام المعارضة لتقول كلمة للشعب السوري وتقدم موقف جديد متطور ومتوازن وشجاع، لكن الأمر ليس سهلاً في ظل وجود “لوبي المعارضة” الذي لا يسمح بأي اختراق.
وبحسب رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي، “فإنهم خاطبوا العاهل السعودي وولي العهد في رسالة موقعة من عدة مجموعات قانونية وسياسية ومجموعات مجتمع مدني، من أجل الإفراج عن المعتقلين أولاً وتحديد مصير المغيبين قسرياً دونما إبطاء، وهو طلب فوق تفاوضي يدفعون باتجاهه، معربةً عن أملها في أن تقود السعودية الملف السوري نحو الحل هذا العام، على الأقل في تطبيق قرارات ذات أولوية كالإفراج عن المعتقلين وتحقيق العدالة الانتقالية من خلال تشكيل سياسي جديد تشارك فيه المعارضة وكل من لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، شرط أن يكون خطوة نحو تطبيق كامل للقرار الأممي 2254”.
بيدرسون يدعو لاستثمار الفرصة لحل الأزمة
وتأتي مشاركة بشار الأسد بالقمة العربية، بعد ساعات على دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون خلال تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط” الحكومة السورية والرئيس السوري لما أسماها بـ “الفرصة واللحظة الفارقة” عبر العودة للجامعة العربية وحضور القمة العربية، من أجل إيجاد مقاربات تقود إلى حل الأزمة السورية، مطالباً بضرورة العمل على إيجاد توافق بين الموقفين العربي والغربي من أجل حل أزمة سوريا، ومحذراً من أن استمرار هذه الأزمة وقتاً أطول سيقود إلى تدمير النسيج الاجتماعي للبلاد.
يشار، إلى أن عودة سوريا للجامعة العربية وحضور بشار الأسد للقمة العربية، لاقت استنكاراً ورفضاً غربياً، حيث قال رئيس لجنة شؤون الشرق الأوسط في الكونغرس الأمريكي جو ويلسون في تغريدة على تويتر: “إن التطبيع و”العناق الدافئ” لبشار الأسد سيقابل بعواقب وخيمة”، في حين قالت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير: “إنه من المخزي الجلوس مع بشار الأسد بعد مقتل أكثر من ثلاثمئة ألف سوري، في حين لا يزال أكثر من عشرة ملايين شخص لاجئين في دول الجوار، ولم يتم التقدم خطوة واحدة في اتجاه الحل السياسي”.