القاهرة ـ محمد إسماعيل
بعد تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، تتحدث كثير من المصادر خلال الأيام الماضية عن تحركات تهدف إلى استعادة العلاقات بين مصر وإيران، وسط حديث عن وساطة عراقية، تقوم بالأساس على أنه يمكن إصلاح تلك العلاقات المنقطعة منذ عام 1980 طالما أنه أمكن التقريب بين طهران والرياض رغم التوترات والخلافات الكبيرة بين البلدين.
ويعود قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران إلى عام 1980 عقب اندلاع ثورة الخميني في إيران والذي قرر لاحقاً قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر التي استقبلت الشاه محمد رضا بهلوي بعد إسقاط حكمه، فيما أصدرت الخارجية الإيرانية بيانا رسميا قالت فيه إن السبب يعود إلى توقيع القاهرة اتفاق السلام مع إسرائيل.
حديث برلماني إيراني عن التقارب مع مصر
أبرز التصريحات الرسمية في هذا الملف، ما أكده فدا حسين مالكي عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إذ قال في تصريحات إعلامية إن طهران ترحب بأي علاقات تعاون وتكامل بين الدول الإسلامية، مشيراً إلى أن مصر دولة كبيرة، ونسعى لأن تعود العلاقات معها كما عادت مع السعودية. وأضاف البرلماني الإيراني البارز أن هناك شيء من التوتر بين إيران والسعودية في علاقاتهما وشاءت إرادتا البلدين، فشهدنا تحسن العلاقات، متابعاً: “أما ما يخص مصر، فكذلك نحن نرى أنها دولة كبيرة تمتلك حضارة عريقة، نعم هناك مشاكل بيننا، ولكنّنا نسعى للتقارب بين الدول الإسلامية وأن تعود العلاقات”.
وتطرق “مالكي” إلى الدور العراقي في هذا المحور، وقال إن بغداد ترغب في عودة العلاقات بين إيران ومصر وتسعى جاهدة لذلك، فإن كانت مصر تريد استئناف العلاقات مع إيران فنحن نرحب من جانبنا بذلك أيضا، مؤكداً في ختام تصريحات أنه “على طاولة المفاوضات (في العراق) نبحث مع مصر القضايا الثنائية والإقليمية والدولية”، مشيراً كذلك إلى أنه سيتم ترتيب لقاء بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي بمجرد إعادة فتح سفارتي البلدين بشكل كامل.
الموقف الرسمي المصري من التقارب مع إيران
وفي أول رد فعل مصري، نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري ما تردد في الإعلام مؤخراً عن وجود مسار مصري إيراني، قائلاً إن هذه الأخبار تكهنات لا أساس لها من الصحة. وقال وزير الخارجية المصري أيضاً إن علاقتنا مستمرة مع إيران على ما هي عليه، وعندما يكون هناك مصلحة في تغيير منهج ما، فبالتأكيد نلجأ دائماً لتحقيق المصلحة. وزير الخارجية المصري أشار كذلك إلى أن عدم الثبات في السياسة شىء طبيعي، لأن الهدف منها تحقيق المصلحة، وقال أيضاً إن “المتغير يتطلب تقييماً للعوائد المستفادة منها، وما هو المستقبل من تطوير تلك العلاقات”.
يأتي هذا في وقت أعرب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان مؤخراً عن أمل بلاده في أن ترى انفتاحاً جدياً في العلاقات الإيرانية المصرية. وقال “عبداللهيان”، الذي سبق له العمل في مصر رئيسا لمكتب رعاية المصالح الإيراني، إن مكاتب حماية المصالح في البلدين في طهران والقاهرة وعلى رأس هذين المكتبين يوجد شخص على مستوى سفير من كلا الجانبين، لذلك هناك قناة رسمية للاتصال والتواصل المباشر بيننا.
اجتماعات مصرية إيرانية متدنية المستوى
في هذا السياق، يقول محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية، إنه رغم نفي وزير الخارجية المصري في تصريحات تليفزيونية وجود مسار لعودة العلاقات مع إيران، إلا أنه ترك الباب مفتوحا أمام عودة العلاقات حين قال إنه لا توجد سياسة ثابتة وأن تغيير السياسة أمر تقتضيه المصلحة والضرورة، وهذا ما يتم إعلانه رسمياً.
لكن “الشناوي” الذي عمل من قبل مديراً لمكتب الوكالة الرسمية المصرية في العراق يقول إن مصادره ببغداد تؤكد له أن هناك اجتماعات مصرية إيرانية، ولكن على مستوى متدن من المسؤولين، أي على مستوى مسؤولين صغار يجتمعون لبحث عديد من الملفات وجرت بالفعل جولتان من هذه المحادثات كان آخرها في أبريل الماضي، وهذا ما يجري حالياً فيما يتعلق بمسار تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران، وهي تطبيع لأن العلاقات موجودة بالفعل وهناك تمثيل دبلوماسي متبادل وإن كان محدوداً.
ويرى مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية أن هناك عديد من الملفات العالقة في هذا الأمر، وهناك مطالب مصرية واضحة لتطبيع العلاقات، إذ تعتبر القاهرة أن الالتزام الإيراني بالاتفاقية التي أبرمت مؤخرا مع السعودية برعاية صينية ستكون مؤشراً بشأن إمكانية تطبيع العلاقات بين مصر وإيران، وأيضا التزام الأخيرة بالتهدئة وخفض التصعيد في مناطق الصراع التي يتمتع فيها الإيرانيون بالنفوذ أيضاً مؤشر على استعادة أجزاء من تلك العلاقات لا نقول تطبيعا.
وقال “الشناوي” إن تطور العلاقة بين إيران والخليج سيكون له انعكاسات كبيرة على العلاقات بين القاهرة وطهران، لكن تحديد وقت لهذا التطبيع أمر في غاية الصعوبة ويخضع لتوازنات تحددها مصر أولا، وهي سيدة قرارها في هذا الملف، مشيراً إلى أن طهران بالفعل خفضت من تصعيدها في بعض المناطق والعلاقات تسير على ما يرام حاليا بينها وبين السعودية.
حديث عن ضغوط إسرائيلية لمنع التطبيع بين القاهرة وطهران
تأتي هذه التطورات في مسار العلاقات المصرية الإيرانية، في وقت تراقب إسرائيل الأمر ويبدو أن القلق يساروها، وهذا ما تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، إذ قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن مندوبين إسرائيليين يزورون القاهرة سراً ويحاولون إقناع حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعدم اتخاذ إجراءات متبادلة لإحياء العلاقات مع طهران وسط تقارب إقليمي.
أيضا الكاتب والمحلل الإسرائيلي زافي بارئيل يرى عبر مقال له بصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن سياسة السعودية خلال الفترة الأخيرة وتخليها عن الكتلة المناهضة لإيران وتخطيطها بشكل مستقل لسياسات يمكن أن تغير شكل الشرق الأوسط، أمر يضع إسرائيل في مهب الريح، مشيرا إلى التصريحات المتبادلة بشأن مسار تطبيع العلاقات بين مصر وإيران.
مصر ليست السعودية حتى تهرول للتطبيع مع إيران
بدوره يقول المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي، في تصريحات لمنصة “تارجيت”، إن الاتفاق بين السعودية وإيران على تطبيع العلاقات وضع يختلف عن الوضع المصري ولا يمكن القياس عليه، موضحاً أن تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران كان نتيجة ضغوط آنية بسبب الحرب الطويلة في اليمن والتي جعلت السعودية التي خاضتها منذ عام 2015 بحاجة للذهاب إلى حل سلمي والاتفاق مع إيران التي ترعى الميليشيات الحوثية وأن تكون هناك تنازلات بين الطرفين.
وقال “العبيدي” إن الخلافات مع إيران بالنسبة لمصر ليست وليدة اليوم وإنما تعود إلى السبعينات ومع قدوم نظام الخميني في إيران الذي أخذ منحى مهاجمة الدول العربية وعلى رأسهم مصر خصوصا مع استقبال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الشاه محمد رضا بهلوي الذي لم يجد مأوى له إلا مصر بعد أن أطاحت به ثورة الخميني، وأيضا مراسم الدفن الرسمية التي تمت في مصر، في المقابل بادرت إيران بقطع العلاقات مع القاهرة واحتضنت الجماعات الإرهابية المعادية لمصر وأطلقت شارع في طهران يحمل اسم “الإسلامبولي” قاتل السادات.
وتابع المحلل السياسي العراقي أن سبب الخلافات بين مصر وإيران يعود كذلك إلى رفض القاهرة السياسات العدوانية الإيرانية في المنطقة وتدخلها في شؤون الدول العربية والإسلامية، وكل هذه الأسباب تختلف عن وضع اليمن بالنسبة للسعودية، وبالتالي مصر لا تهرول للتطبيع مع إيران وليست متعجلة لذلك، وإنما تدرس مصلحتها أولا ومصلحة الأمن القومي المصري وحسابات الأمن القومي العربي، والأخير تتحمل القاهرة فيه مسؤولية أكبر من السعودية.
ومنذ ثورة الخميني في إيران، اتبعت طهران سياسة المكايدة الدائمة مع القاهرة والتي بدأت بإطلاق اسم الإرهابي خالد الإسلامبولي على أكبر شوارع العاصمة طهران، وهو الرجل الذي قاد عملية اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981، ليس هذا فحسب، ففي عام 2001 وضعت جدارية ضخمة في طهران يظهر فيها الإسلامبولي خلف القضبان حاملا المصحف وكتب إعلاها أنا قتلت فرعون مصر. ولا تزال العلاقات الدبلوماسية قاصرة على مستوى مكتبي رعاية المصالح منذ عام 1991، في وقت كانت القاهرة ترفض دائما وتدين التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية.