بُعيد تنفيذ فصيل “جيش الشرقية” التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا، مجزرة بحق 3 أشقاء وابن أحدهم، في مركز ناحية جنديرس بريف منطقة عفرين شمال غرب سوريا، في ليلة العشرين من مارس التي تسبق عيد النوروز الخاص بالكُرد والشعوب الآرية، أعاد ناشطون التذكير بصورة لتعذيب أحد ضحايا المجزرة، والذي كان قد تعرض لها قبل خمس سنوات، عقب الهجوم التركي على عفرين، المسمى بـ”عملية غصن الزيتون”.
آنذاك، هُجر مئات الآلاف من سكان عفرين الأصليين، وهم في مُجملهم من المُكون الكُردي، نتيجة عمليات عسكرية دامية، دفعت السكان لترك دورهم والتوجه للمجهول، إلا أنهم عادوا بعد سيطرة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية على عفرين في مارس العام 2018.
ليُفاجئ السكان بأن بيوتهم قد جرى تقاسمها بين فصائل المعارضة السورية والمدنيين الموالين لهم، الذين جلبتهم تركيا من مناطق سورية داخلية، بقصد توطينهم في المنطقة ذات الخصوصية الكُردية، لضرب تلك الخصوصية ومُحاولة إنهائها.
التهجير من جنديرس
عندما بدأ الهجوم التركي الواسع برفقة الآلاف من مسلحي المعارضة السورية، ضد عفرين، في العشرين من يناير العام 2018، والتي كانت باكورتها هجوماً جوياً واسعاً باستخدام 72 طائرة حربية تركية من طراز الـ إف 16، تعرض مركز ناحية جنديرس، وعلى مدار 24 يوماً إلى قصف مُوجّه قبل التمكن من احتلاله عسكرياً في 8 مارس، أي قبل الوصول إلى مركز عفرين بعشرة أيام.
قبل 8 مارس 2018، كان أهالي جنديرس، يُغادرونها بشكل يومي تحت ضغط القصف العنيف، وحتى كبار السن الذين كانوا قد قرروا في قرارة أنفسهم بأنهم لن يغادروا، أجبروا على ذلك في نهاية المطاف، مع ارتكاب مجازر بحق السكان المدنيين، حيث هُجر كل منهم باتجاه، فمنهم من توجّه لبلدتي نبل والزهراء، ومنهم من توجه لقرى ناحية شيراوا جنوب عفرين، ومنهم عائلة “فرحان الدين عثمان”.
عودة قسم من المُهجرين
وعقب سقوط مركز عفرين، بيد القوى الغازية (الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية) في الثامن عشر من مارس العام 2018، حاول قسم من أهالي عفرين الأصليين، العودة إلى قراهم وبلداتهم، ومنها دفعة كبيرة عادت في الثامن من أبريل، أي بعد سقوط عفرين بنحو 21 يوماً، حيث عاد الأهالي معاً بتجمع كبير عن طريق قرية حجيلار، وبقوا عدة أيام على الطريق بآلياتهم الزراعية (الجرارات).
وعند عودة أهالي جنديرس من رحلة التهجير القسري تلك، تفاجئوا بأن بيوتهم أضحت مُقسّمة بين الفصائل العسكرية المعارضة، وبين المدنيين من ذوي المسلحين، الذي تم استجلابهم من مناطق سورية داخلية، وهو ما أكد مراقبون بأنه تنفيذ لأجندات أنقرة، الرامية لتغيير ديموغرافية المنطقة، وإنهاء الوجود الكُردي فيها.
فرحان ورحلة التعذيب
كان من بين البيوت المُستولى عليها، بيوت عائلة “فرحان الدين” و”نظمي” (من ضحايا مجزرة جنديرس الأخيرة\20 مارس)، حيث بقي كثير من أهالي جنديرس، لفترات متفاوتة وهم يقيمون في العراء، أو لدى معارفهم بالمدينة، وقد اضطروا لدفع مبالغ مالية كبيرة بغية إخراج المسلحين من بيوتهم، لا وبل دفعوا مبالغ كبيرة لشراء أثاثات ومحتويات بيوتهم من المسلحين.
ووفق مُقرب من “فرحان الدين عثمان”، توجه الأخير عدة مرات إلى منزله، للمُطالبة به، حيث رفض المسلحون والمدنيون المقيمون فيه، تسليمه منزله، وعندما ألحّ “فرحان” عليهم عدة مرات، قالوا له بأنهم سوف يعيدون منزله، وطلبوا منه القدوم لبيته.
وأوضح المُقرب، أنه عندما دخل “فرحان” إلى بيته المُستولى عليه، عمد المسلحون إلى اعتقاله، وبدأوا بتعذيبه ليوم كامل، حيث تم اعتقاله في الثاني عشر من أبريل 2018، وجرى الإفراج عنه في اليوم التالي، عقب أن تورّم جسده من شدة الضرب، وكان المسؤول عن القطاع الذي يتواجد فيه منزل “فرحان الدين” ويسمى بقطاع الصناعة في جنديرس، شخص يُكنى بـ “أبو علي شرقية”.
“وعقب التعذيب العنيف الذي تعرض له فرحان، كان مُجبراً حتى ثلاثة أشهر، على وضع وسائد أسفل كتفيه للتمكن من النهوض، من شدة التعذيب الذي تعرض له، حيث لم يستطع أن يرقد أو ينام على ظهره طوال تلك الشهور التي كان يتلقى العلاج فيها”، حسب المُقرّب الذي تابع: “عقبها تم اعتقاله عدة مرات، تعرض خلالها للإهانة والشتم من قبل المسلحين، واخُتتم الأمر بقتله بدم بارد، ضمن مجزرة راح ضحيتها أربع أفراد من عائلته”.
استعادة منزله
بعد الضرب والإهانة التي تعرض لها فرحان في أبريل العام 2018، مرت ثلاث شهور حتى تمكن من استعادة منزله، أي في شهر يوليو من العام 2018، ويوضح المُقرب من “فرحان الدين” بأنه لا يعلم بالضبط المبلغ الذي دفعه صديقه، بغية استعادة منزله، لكنه أكد أنه لا يوجد مُواطن في جنديرس، عاد إلى منزله، إلا ودفع مبالغ كبيرة، كي يتمكن من استعادته من المسلحين وذويهم الموطّنين بالمنطقة.
ولفت إلى أنه خلال العام 2018، كان يجري تنظيم تسويات (تسوية وضع) للمواطنين الكُرد في المنطقة، مقابل مبلغ ألف ليرة تركية، أما مُحتويات المنازل المستولى عليها، فقد كان يجري تقييمها من قبل المسلحين بمبلغ مُعين، يجري دفعه من صاحب المنزل الأصلي، كي يستطيع استعادة المنزل مع محتوياته.
آخر اتصال مع فرحان
وحول آخر مرة اتصل فيها مع “فرحان الدين”، أوضح المُقرّب أنه كان قبل نحو عشرين يوماً من تنفيذ المجزرة، حيث ذكّره مُمازحاً بفترة اعتقاله وضربه، ليجيب “فرحان” بالقول: “اقسم بأنك أوجعت ظهري من جديد، خوفاً مما جرى لي”، لشدة ما لاقه حينها.
وأردف “فرحان الدين” للمُقرّب وقتها، بأن المسلحين كانوا يذكرونه خلال ضربه، بانتفاضة 12 آذار التي قمعها النظام في العام 2004، بجانب سيل هائل من السباب والشتائم بحق الكُرد.
أما أكثر من يذكره المُقرّب من أحاديث “فرحان الدين” معه، هو قول المسلحين له عندما كانوا يقومون بضربه وإهانته: “هذه الأرض لنا، هي ملكنا، وأكثر واحد من الكُرد سيكون عمره 15 عاماً هنا، سوف نقتلكم بكل تأكيد، وستبقى هذه الأملاك لنا، لا تعتقدوا بأننا سوف نخرج من عفرين، في أي يوم”.
ويتابع المصدر لـ”تارجيت” بأن هذا التهديد والوعيد لم يُخصّ به “فرحان” فحسب، بل هو عينه ما قاله المسلحون لكثير من سكان عفرين وجنديرس، بالأخص المسنين منهم، ممن استعادوا بيوتهم، حيث قالوا لهم: “غداً ستموتون وسنعود للاستيلاء على بيوتكم، لا تفرحوا كثيراً بها، لأنها لن تبقى لكم”، واختتم المُقرّب بالقول: “هناك حقد غير طبيعي على الكُرد”.
لكن وبالرغم من الوعود والتعهدات التي أطلقها المسلحون المنضوون تحت راية “الجيش الوطني السوري”، يؤكد أهالي عفرين بأنهم عائدون، فيما كانت الانتفاضة الشعبية العارمة التي شهدتها جنديرس يوم الواحد والعشرين من مارس، إبان تشييع “فرحان الدين” وأفراد عائلته، إشارة واضحة إلى أن وجود المسلحين في المنطقة مُؤقت، ومرهون بالوجود التركي العسكري، فهل سيزول هذا الوجود وهل سيزولون بزواله؟.