يسابق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزمن للتطبيع مع حكومة دمشق قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا المقررة في أيار/ مايو، حيث لا تقول تقارير إعلامية إنه لا يزال يراهن على ورقة اللاجئين السوريين لتحقيق نصر انتخابي على حساب المعارضة التي أكدت آخر استطلاعات الرأي تفوقها على أردوغان، خاصةً بعد إجماعها على رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيلتشدار أوغلو كمرشح منافس للرئيس الحالي.
آخر تطورات مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، الإعلان عن اجتماع رباعي في العاصمة الروسية موسكو يومي الخامس عشر والسادس عشر من الشهر الجاري، يضم نائب وزير الخارجية التركي بوراك أكجابار ونظيره السوري أيمن سوسان، ونائب وزير الخارجية الروسي الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وعلي أصغر حاجي مستشار الشؤون السياسية لوزير الخارجية الإيراني.
دول مأزومة تبحث عن مصالحها
الأكاديمي السوري المعارض الدكتور يحيى العريضي، قال في حديث لتارجيت: “إن ما يسمى باللقاء الرباعي في موسكو، هو لدول مأزومة ولديها ملفات بينية كثيرة وبالوقت ذاته تطل على القضية السورية من نافذة مصالحها، وهذه هي (الوصفة الأنجع للا حل)، مضيفاً أنه رغم المراوغة من قبل النظام السوري والابتزاز من قبل روسيا والمطامع من قبل تركيا، فإن مسار التطبيع غير قابل للتطبيق والعيش، حيث لا تستطيع تركيا إعطاء النظام ما يريد ولا هو قادر على إعطائها شيء”، مشيراً إلى أنه “دائماً ما تطفو على السطح الخلافات بين الجانبين حتى في مواعيد عقد اللقاءات”.
التطبيع لدى تركيا مرتبط بالانتخابات القادمة
وبحسب الدكتور يحيى العريضي، فإن “ما يؤخذ من هذا التقارب بالنسبة لتركيا متعلق بالانتخابات القادمة، وهي قضية داخلية تركية سيزول زخمها مجرد انتهاء وحسم الانتخابات”، لافتاً إلى أنه إذا كان البعض يعتبر تركيا لا أخلاقية وتلعب بالورقة السورية وتستخدم اللاجئين السوريين كورقة انتخابية، فهو بذلك يصف عملها باللاأخلاقي إلا أنه من غير المتوقع أن تتحمل تركيا هكذا وصف لأنه سيخلق عداءً تاريخياً.، كما أن أنقرة لا يمكنها تجاهل الموقف الأمريكي الرافض لأي تطبيع مع حكومة دمشق، حيث تبقى الولايات المتحدة المخيف للجميع وهي من تدير اللعبة بما تمتلكه من قدرات مالية وعسكرية”.
رسائل سياسية وراء زيارة بشار الأسد لموسكو
الاجتماع يأتي بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة للحراك الشعبي في سوريا وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، حيث كان أول مستقبليه فيها ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في موقف جديد يظهر تقصد السلطات الروسية إظهار تبعية الرئيس السوري ومسؤولي حكومته لموسكو، وتخلل الزيارة مباحثات بين بشار الأسد وبوتين وأخرى بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره السوري فيصل المقداد، جرى التأكيد خلالهما على مساع روسيا بالمضي قدماً بمسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق والمحاولات الحثيثة لإعادة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية.
وخلال المباحثات مع بوتين، جدد الرئيس السوري بشار الأسد “تأييده للحرب الروسية في أوكرانيا، التي قال إنها حرب ضد (النازية القديمة والجديدة)”، مشدداً على “ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا وسوريا”، في حين قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “إن بوتين والأسد ناقشا مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق وإمكانية عقد لقاء بين الرئيس السوري ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لاحقاً، إلى جانب بحث التعاون بشأن إعادة إعمار سوريا، ومحاولة التوصل لتسوية (سلمية) للأزمة السورية تكون الأولوية المطلقة فيها لسيادة سوريا ووحدة أراضيها.
الدكتور يحيى العريضي، اعتبر أن “زيارة بشار الأسد إلى روسيا، هي جزء من محاولة إعادة التكرير للنظام خاصةً بعد كارثة الزلزال وبعد الاتفاق السعودي الإيراني، و(الاختناق) الروسي في أوكرانيا، حيث تريد روسيا أن تطل على الساحة العالمية من خلال البوابة السورية، بمعنى أن تقول للولايات المتحدة (أنا هنا)، لافتاً إلى أن “توقيت الاجتماع الرباعي والزيارة مع ذكرى (الثورة) السورية هو رمزي أرادوا من خلاله إرسال رسالة أن (الثورة) في واد منسي والعملية السياسية في مكان آخر، إلا أن شعلة (الثورة) ستبقى متقدة وستظل الوادي الجارف”، على حد تعبيره.
الاجتماع الرباعي، سبقه غموض وجدل كبير، بشأن نجاعة مسار التطبيع السوري التركي، حيث حددت حكومة دمشق عدة مطالب يجب تحقيقها أو البدء فيها كشرط مسبق لعقد الاجتماع والاجتماعات الأخرى اللاحقة بشأن التطبيع، أبرزها إعلان جدول انسحاب تركي من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الفصائل الإرهابية التي تحارب قوات حكومة دمشق، وذلك بعد تصريح لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد بعيد لقاء وزيري دفاع تركيا وسوريا برعاية روسية أواخر العام الماضي، اعتبر فيه أن “إنهاء الاحتلال التركي لمناطق بالشمال السوري يعتبر شرطاً مسبقاً للتطبيع مع أنقرة”، ما يجعل المسار المفترض يغوص في الغموض ويثير التساؤلات بشأن المضي قدماً فيه.
الاجتماع الذي جاء استكمالاً لاجتماع وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة في موسكو، وتحضيراً لاجتماع وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وتركيا وسوريا، يأتي على وقع تطورات شهدتها الأزمة السورية منذ كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في السادس من شباط/ فبراير الماضي، وما تلا ذلك من مسار تطبيع عربي مواز للمسار التركي، عبر ستار المساعدات الإنسانية للمتضررين من الزلزال، وما تخلله من زيارة وفود ومسؤولين عرب للعاصمة السورية دمشق ولقاء الرئيس السوري، أبرزها زيارة وزيري خارجية الأردن والإمارات ووفد الاتحاد البرلماني العربي.
الأكاديمي السوري المعارض الدكتور يحيى العريضي، نوه إلى أن “مسار التطبيع العربي مع حكومة دمشق، يأتي ضمن ما يمكن تسميته بالتنافس على إعادة التكرير باستخدام الأدوات ذاتها”، مشدداً على أن “كل ما تملكه دمشق من مقومات لا ينفع لإعادة تكريرها قياساً بالجرائم التي تم ارتكابها والتي لا يمكن التغافل عنها”، على حد قوله.
فالى أين تتجه بوصلة الأزمة السورية والأهداف التي من أجلها انتفض السوريون في هذا المخاض المتداخل مع المصالح الدولية والاقليمية وخصوصاً تلك الأجندات الاقليمية التي تتخذ من سوريا منصة لها من طرف، وطموحاً توسعياً من طرف آخر، في ظل انعدام مناخات الحوار السوري السوري الفاعل؟