يدأب أهالي السويداء جنوبي سوريا على الخروج في احتجاجات شعبية منددة بسياسات حكومة دمشق منذ أشهر، لكن وتيرة هذه الاحتجاجات زادت بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية في المحافظة، وازدياد ظاهرة الفوضى والانفلات الأمني وتجارة وترويج المخدرات من قبل فصائل مسلحة مدعومة من قبل الفصائل التابعة لإيران وجماعة حزب الله اللبناني وقوات حكومة دمشق، والاتهامات للأخيرة بالتقاعس عن إداء مهامها في ضبط الأمن.
المئات من أهالي المحافظة الجنوبية، خرجت الأسبوع الماضي في تظاهرات شعبية في عدة مناطق احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية هناك واعتراضاً على قرار حكومة دمشق رفع الدعم عن آلاف العائلات، حيث أفاد موقع “السويداء 24” بخروج العشرات من أهالي “نمرة والشهبا” وبعض القرى المجاورة في تظاهرات، قطعوا خلالها طريق شهبا – نمرة، بالتزامن مع قطع محتجين آخرين أوتوستراد دمشق – السويداء بالإطارات المشتعلة، مطالبين حكومة دمشق بإيجاد حلول للأزمات المتلاحقة التي تشهدها البلاد والبدء بإجراءات حقيقية تقود إلى حل سلمي للأزمة التي تشهدها البلاد وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وعلى رأسها القرار 2254.
قطع للطرق وتهديد بالعصيان
وبحسب موقع “السويداء 24″، فإن عشرات الشبان من أبناء بلدة “القريا” جنوبي محافظة السويداء، أغلقوا منافذ البيع في فرن البلدة مطالبين ببيع الخبز لجميع المواطنين بالسعر المدعوم، بالتزامن مع قطع بعض الشبان الطريق في قرية “أم ضبيب” تضامناً مع أهالي بلدة نمرة المعتصمين على طريق نمرة – شهبا، والذين يمنعون بدورهم حركة المرور باستثناء الطلبة والحالات الإسعافية، وسط تهديدات من قبل المحتجين ونشطاء بالتصعيد وصولاً إلى العصيان المدني في حال عدم الاستجابة لمطالبهم، والتي على رأسها إيجاد حل جذري لسياسة السلطة الاقتصادية التي يقولون إنها أدت لتفاقم ظاهرة الهجرة خاصة بين الشباب.
الباحثة والسياسية السورية لمى الأتاسي، قالت في تصريحات لمنصة تارجيت، إنه لكي يتم فهم الشارع الدرزي لابد من توضيح تاريخ الطائفة وعلاقاتهم مع النظام و”المعارضة”، وباختصار يمكن القول إن أهل السويداء هم سوريون بالعمق ومن أشد الناس تمسكاً بالوحدة الوطنية، لكن في ذات الوقت هم يجهدون كثيراً للحفاظ على خصوصيتهم الثقافية والدينية، هم يعتبرون أنفسهم أقلية مستضعفة وبالتالي في مراحل عديدة من تاريخ سوريا التزموا بـ”مجاملة الجميع” لأن الحرب مكلفة، مضيفةً أن النظام له سياسة خاصة بالطائفة الدرزية، هو يخشى منها ويعمل على تخويفها، لأنه يعلم مدى تأثيرها على الطائفة العلوية وأهمية دورها فيما يسميه هو “تحالف أقليات”، والذي بنى عليه استراتيجية مواجهة مع الشارع أو ما يعتبره الجزء السني العدو أي “المعارضة”، لكن أهل السويداء يمتلكون وعي عميق ومصداقية وطنية ويعرفون جيداً أن الأزمة في سوريا ليست طائفية بل اقتصادية وسياسية، هم يعلمون أن النظام يستخدم “العلويين والدروز والمسيحيين وأغنياء سوريا في مواجهة مع الشعب ليس للدفاع عن حقوق التنوع والبقاء لصالح “الأقليات” كما يدّعي بل للحفاظ على سلطته ومصالح رؤوس الأموال الخاصة به.
من جانبها، أصدرت تيارات مدنية ومجموعات أهلية بالسويداء، بياناً طالبت فيه بإعادة الدعم لكافة السلع الأساسية الضرورية ولكافة فئات المجتمع دون تمييز، ورفع الأجور والرواتب للعاملين بالدولة والقطاع الخاص بمقدار لا يقل عن مئتين بالمئة، ووضع خطط واضحة لتأمين المشتقات النفطية للسكان، وتأمين ضمان معيشي وصحي لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، معتبرةً أن تلك المطالب يمكن أن تتحقق من خلال وضع خطة طوارئ اقتصادية تعيد لميزانية الدولة الأموال التي حصلت عليها شركات الخليوي بطريقة غير شرعية منذ عام ألفين وأربعة عشر، ووضع الدولة يدها على أموال تجار الحرب والأزمة مثل “قاطرجي والفوز وشاليش وغيرهم” وتحويل هذه الأموال إلى ميزانية الدولة.
التعويل على هامش إصلاح يفرض على حكومة دمشق
وبحسب الباحثة والسياسية السورية لمى الأتاسي، فإن “أهل السويداء يملكون وعياً بما يجري دولياً وينظرون للأمور بشكل أوسع من الآخرين، وبالتالي هم يعرفون أنهم عندما يتظاهرون يعلمون أن لهم سقف مسموح به أكثر من بقية المناطق ويستعملون هذا السقف للتعبير عن مطالب شعبية حقيقية تخص جميع السوريين، حيث أنه يوجد في جميع القرى والمدن السورية أزمة بنى تحتية وأزمة معيشية تهدد حياة السكان، فهناك فقر وانعدام فرص العمل وانعدام مقومات الحياة والأمن”، لافتةً الى أن “أهالي السويداء عندهم عمق بالتحرك ولا ينظرون للأمور من منظورهم فقط، وهم يتظاهرون لأنهم يراقبون ما يجري عالمياً ويحضرون لمرحلة ما بعد العاصفة، ويدركون أن الاتفاقات الإقليمية التي تجري خلال هذه الفترة ستقود إلى اتفاق الجميع على إنهاء الصراع على سوريا وفي سوريا، وبالتالي هم يعولون على هامش إصلاح ما سيفرض على حكومة دمشق”، ومنوهةً إلى أنه “لا يمكن لأي مكون في سوريا أن يحصل على حقوقه بمفرده بمعزل عن المكونات الأخرى، حيث أن تجربة الإدارة الذاتية مثلاً يمكن أن تنجح إن كانت لكل سوريا وليس لمنطقة واحدة”.
بموازاة ذلك، يطالب النشطاء والمحتجون والمجموعات الأهلية، بوضع حد لظاهرة الانفلات الأمني وعمليات الاغتيال والقتل والسرقات والخطف مقابل الفدى التي تشهدها المحافظة منذ سنوات، إلى جانب النشاط الكبير وغير المسبوق لتجارة وتهريب المخدرات، والتي تتهم فيها الفصائل التابعة لإيران وجماعة حزب الله اللبناني والأجهزة الأمنية في قوات حكومة دمشق وفصائل مسلحة محلية تابعة لها ومحسوبة عليها، أبرزها ما تعرف محلياً بـ”مليشيا مزهر” وهي فصيل مسلح يتبع لما يسمى الأمن العسكري بحكومة دمشق، ومتهم بالمسؤولية عن الترويج للمخدرات وعشرات عمليات القتل والاختطاف التي شهدتها السويداء.
وبحسب مصادر محلية من السويداء، فإن “الأمن العسكري” يستخدم “ميليشيا مزهر” لخلق حالة الفوضى في المحافظة، والترويج لتجارة المخدرات، وإطلاق يد “الميليشيا” ضد المدنيين والنشطاء المعارضين لحكومة دمشق، ومعاقبة سكان السويداء على التظاهرات المتكررة ضد سياسات دمشق، والتي باتت تنظم كل يوم اثنين من كل أسبوع، والتي يقول مراقبون أنها بدأت تقض مضجع دمشق وتثير مخاوفها من حراك شعبي جديد مدفوع بالأزمة الاقتصادية والمعيشية، والمخاوف من تحول المحافظة الجنوبية لشرارة “ثورة شعبية” تعم جميع مناطق سيطرتها.