عز الدين نوري
جاء التصعيدُ العسكريّ التركيّ عبر القصفِ الجويّ والمدفعيّ على مناطق مختلفة من شمال سوريا، بعد مرحلةِ هدوءٍ في مستوى التهديداتِ، وبدءِ الحديثِ عن المسار التصالحيّ، ليكون انتقالاً من منابر السياسة إلى فوهات المدفعيّة، كما أنّه جاء في مرحلةٍ بغايةِ الحساسيّة لجهةِ التحضيرات للانتخابات المقررة في 18 حزيران 2023، ولا يُعتقد أبداً أنّ الرئيس التركيّ أردوغان المعروفُ بحرصه على الفوزِ بالانتخابات يقدِمُ على خطوةٍ من هذا القبيل ما لم يضمن أنّها تزيدُ في رصيده الانتخابيّ، وإلا أضحى ذلك انتحاراً سياسيّاً، وأما ربطُ الضرباتِ الجويّة على شمال سوريا بتفجيرِ “تقسيم”، فلا يتوافقُ مع المسارِ الطبيعيّ للتحقيقاتِ في مثل هذه الأحداث، لأنّ الحكومةَ التركيّة لم تعلن بعد رسميّاً انتهاءَ التحقيقاتِ في القضيةِ، كما أنّ التهديدَ بشنِّ عمليةٍ عسكريّةٍ في سوريا يسبقُ التفجيرَ، ولكن الرفضَ الدوليّ وبخاصة في إطار أستانه حال دون تنفيذها.
وبذلك فالتوصلُ إلى استنتاجٍ أنّ تفجيرَ “تقسيم” جاء في توقيتٍ مشبوهٍ ليُخرج القرارَ التركيّ من عنق الزجاجة، وتتخذ منه ذريعة شكليّة لتوجيهِ ضرباتٍ جويّة على مناطق في شمال وشرق سوريا، لا يحتاج كبيرَ عناءٍ. بل إنّ حكومةَ أنقرة ماضيةٌ في العمليةِ بصورةٍ موسّعةٍ تستهدفُ القرى والبلدات المأهولة والمرافق العامة والبنى التحتية وحقول البترول وخزاناته ومنشآت الغاز وصوامع الحبوبِ، وحتى مخيم الهولِ ومحيط السجن الذي يحتجز معتقلي داعش لتفجر قنبلة الإرهاب الموقوتة، وتتجاوز بذلك كلَّ أهدافها المعلنة رسميّاً، وهي بصد التحضير للانتقالِ إلى عمليّةٍ بريّةٍ بانتظارِ التوافقِ على حجمِ العملية والمساحة الجغرافيّة المستهدفة.
بالمجمل فإنّ كلّ الضربات الجويّة والقصف المدفعيّ رغم حجم الدمار الكبير وعدد الضحايا الذي يزداد بمرورِ الوقت فهو لا يعدو عن كونه بالوناتِ اختبارٍ لموقفي موسكو وواشنطن وكذلك المنظومة الدوليّة، فإن لم ترتقِ مواقفها إلى الحزم بالمنعِ، فإنّ أنقرة ستمضي قدماً، بالعمليةِ العسكريّةِ وتنتقلُ إلى التوغل البريّ. وما يحدث حالياً غضّ نظرٍ متعمدٍ يسمحُ باستمرار العدوان دون أيّ تغييرٍ على خريطةِ الميدان والانتشارِ العسكريّ.
من نافلة القول إنّ استمرار العدوانِ التركيّ على شمالِ سوريا واحتلاله مناطق فيه، يتعارضُ جوهريّاً مع ميثاق الأمم المتحدة وعلى نحو خاص المادة الثانية والتي تنصُّ على “فضِّ جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر”. وتستغل أنقرة غياب الجهد الدوليّ وتقاعس المنظومة الدوليّة للاستمرار بالعدوان.
كما تستغلُ أنقرة الظروفَ الدوليّة التي نشأت عقب الحرب الروسيّة في أوكرانيا والتي بدأت في 24/2/2022، ولم تنضم إلى العقوبات الغربيّة على روسيا، وباتت معبراً رئيسيّاً للحبوب والغاز، وهي بصدد فتح أجوائها أمام الطيران الروسيّ إلى سوريا، وتجري مفاوضات بين الطرفين في هذا السياق.
ويتزامن التصعيد التركيّ بصورةٍ لافتة مع تصعيدٍ روسيّ في محافظة إدلب واستمرار الغارات الجويّة على مواقع مختلفة بالمحافظة والذي أسفر عن عدد من الضحايا وآخرها قصف مخيم “مرام” الذي أودى بحياة 10 مدنيين، بينهم أربعة أطفال وامرأة، وإصابة 75 آخرين. هذا التزامن بين التصعيدِ التركيّ في شمال سوريا والروسيّ في إدلب، يشير في دلالاته إلى مسعى لعقدِ اتفاقٍ صيغته مناطق في إدلب مقابل تل رفعت، في إعادة لاتفاقات سابقة من قبيل: حلب مقابل الباب نهاية عام 2016، وعفرين مقابل الغوطة في آذار 2018.
لقراءة الملف كامل يرجى تحميله من خلال الرابط أدناه