شنت الدولة التركية عدواناً جوياً ليل السبت/ الأحد الماضي 20/11/2022، بمشاركة 70 مقاتلة وطائرة بلا طيار، طالت كافة مناطق الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ابتداءاً من مدينة ديريك/المالكية في محافظة الحسكة، وصولاً إلى منطقة الشهباء شمال حلب، حيث أسفرت عن مجزرة كبيرة راح ضحيتها 12 مدنياً، إضافة إلى استشهاد عدد من العسكريين في قوات سوريا الديمقراطية وعناصر جيش النظام السوري، ولا زالت أعداد الضحايات بارتفاع جراء القصف المستمر حتى الآن.
تركيا التي تذرعت بتفجير استنبول في تنفيذ عدوانها هذا، باتهام وحدات حماية الشعب الكردية “YPG”، التي نفت أية صلة لها بهذا الهجوم وقدمت التعازي لذوي الضحايا والشعب التركي، قال رئيسها رجب طيب أردوغان في تصريحات يوم الاثنين 21/11/2022، أنه لم يبحث مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن أمر هذا العدوان، وأنهم كمنظمة الأمن التركية يقررون ويتخذون خطوتهم دون أخذ الإذن من أحد، ويجب أن تعرف أمريكا عنهم هذا، كما أشار إلى أن الهجوم الذي أسمته أنقرة بـ “مخلب السيف” لن يقتصر على الضربات الجوية و سيلحقه هجوم بري في الوقت المناسب وتتم المشاورات حول حجم مشاركة القوات البرية في هذا العمل العسكري، لافتاً إلى أن مدينة كوباني التي طالما أراد أردوغان احتلالها منذ عام 2015، هي المنطقة الوحيدة التي تفصل عن منطقتي شرقي الفرات وغربيها أي “درع الفرات و نبع السلام” التي تختلها أنقرة.
ما الهدف الحقيقي وراء هذا العدوان؟
الكثير من المحللين والسياسيين الذين شككوا في الرواية الحكومية التركية حول تفجير اسطنبول ومحاولة إقحام الكرد فيها واتهام وحدات حماية الشعب بالوقوف وراءها، جزموا أنها من إحدى المسرحيات التي تم التخطيط لأحداثها انما طبخت في أروقة جهاز الاستخبارات التركية، لتكون ذريعة لأردوغان الذي يحتاج إلى ترميم شعبيته المتهاوية قبيل الانتخابات القادمة، بتصدير أزماته السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية خارج حدود بلاده، كمقدمة لتشن أنقرة عمل عسكري ضد مناطق الادارة الذاتية، فما مبتغى أردوغان من كل لك؟.
وفي هذا السياق، قال عضو المجلس الرئاسي لمجلس سوريا اليدمقراطية “مسد”، سيهانوك ديبو لمنصة تارجيت: ” ما يريده أردوغان أن لا تنتهي داعش، لا حل للأزمة السورية، ولا دور للكرد في مستقبل سوريا وبالتالي لا حل للقضية الكردية، هذه لاءات تركيا الأردوغانية اللحظة تجاه سوريا؛ التقت مع وجهي الأزمة في تركيا داخلياً وخارجياً. بخاصة إذا أدركنا بأن منظومة الاستبداد، التي تحكم تركيا اللحظة لن تتوانى عن عمل أي شيء من أجل البقاء على رأس السلطة، لأن مصيرها سيكون كارثياً بحسب الحجم المهول للتورط في مختلف ملفات الفساد وصولاً الى دعم تنظيمات التطرف والإرهاب وتوجيهها لبلدان إقليمية عدة.
وأشار السياسي الكردي في تصريح للمنصة، أنه “يمكن لأنقرة أن تتحايل على الاستحقاق التركي أي الانتخابات القادمة حين تشعر بأنها تفقد السلطة، وتقوم بتأجيلها أو إلغائها من أساسها تحت حجج ومسوغات واهية كما جرت عادة أنقرة”.
الموقف الروسي والأمريكي
رغم أن أردوغان أفاد في تصريحاته أنه لم يبحث مع الرئيسين الروسي والأمريكي بشأن العدوان التركي الأخير ضد مناطق الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فإن موسكو صرحت على لسان المتحدث الرسمي باسم رئاستها، ديمتري بيسكوف، أن العمليات العسكرية التركية شمالي سوريا حق مشروع لها وأن موسكو تحترم وتتفهم مخاوف أنقرة الأمنية، وأنّ طبيعة علاقات الشراكة بين تركيا وروسيا تسمح بنقاش هذه التفاصيل بشكل منفتح
وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، الخميس 24/11، إن هناك احتمالاً لعدول تركيا عن القيام بعملية برية في سوريا.
وأضاف لافرينتييف، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، إن “موضوع العملية البرية التركية ترك بصماته على مسار الاجتماع الدولي التاسع عشر بشأن سوريا في أستانا”، حيث ناقشته روسيا مع الوفدين التركي والإيراني ومع ممثلين عن دمشق.
وأضاف، “أريد أن أقول إننا بشكل عام حاولنا استخدام هذه المنصة للتحدث بقدر كبير من التفصيل مباشرة مع شركائنا الأتراك، طبعاً لم نتلق تأكيدات بأن العملية البرية لن تنفذ، لكن مع ذلك يبدو أن هناك احتمالية بأن يعدلوا عن تنفيذ هذه العمليات”.
وكان قد صرح الأربعاء، قال لافرنتييف، إن أي عملية عسكرية تركية ستؤدي إلى “تصعيد كبير في سوريا والشرق الأوسط “، ولا يمكن السماح بذلك”.
أما الولايات المتحدة فرفضت أي تصعيد عسكري في شمال سوريا والتي من شأنها أن تقوض جهود حليفتها، قوات سوريا الديمقراطية في محاربتهم لتنظيم داعش الارهابي، كما أعلنت القيادة المركزية للقوات الأمريكية بأن الولايات المتحدة تعارض أي عمل عسكري يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في سوريا، في حين قال منسق لاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي أن: “الولايات المتحدة لا تتشاور مع روسيا حول العملية العسكرية التركية في شمال سوريا”.
وقال المبعوث الأمريكي الأعلى في شمال وشرق سوريا نيكولاس جرينجر الخميس 24/11، في بيان بخصوص الهجمات الأخيرة لدولة الاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا: “تعارض الولايات المتحدة بشدة العمل العسكري الذي يزيد من زعزعة استقرار حياة المجتمعات والأسر في سوريا”، ودعا إلى ” وقف التصعيد فوراً”.
واعتبر المبعوث الأمريكي: “التصعيد في سوريا في الأيام الأخيرة خطير بشكل غير مقبول ويهدد سلامة المدنيين والمسؤولين الأمريكيين والقوات العسكرية الأمريكية”، وتابع “هذه الأعمال تخاطر بالتقدم الذي أحرزه التحالف بشق الأنفس ضد داعش وتهدد معركتنا المستمرة ضد داعش للتأكد من أن المجموعة لا يمكن أن تعاود الظهور أبداً”، مختتماً حديثه بالقول: ” نعرب عن بالغ قلقنا وخالص تعازينا في الخسائر بأرواح المدنيين التي حدثت نتيجة التصعيد الأخير، ولقد أبلغنا باستمرار مخاوفنا الجادة إلى تركيا حول تأثير التصعيد على المدنيين وهدف القضاء على داعش… لقد حثثنا على عدم القيام بمثل هذه العمليات مثلما حثثنا شريكنا السوري على عدم الاعتداء أو التصعيد”.
وفي السياق علق ديبو، على موقف البلدين قائلاً: “يمكن القول بأن موقف أمريكا وروسيا غير منسجم حول ما تم التوقيع عليه في تشرين الثاني 2019 أي اتفاق وقف اطلاق النار ومذكرة التفاهم حياله. بالتأكيد لا طرف سوري يعلم بحيثيات اللحظة الأخيرة التي أدت إلى العدوان التركي الأخير، لكننا متأكدون بأنه ليس بإمكان تركيا أن تقدم على ذلك دون حصولها مسبقاً على الضوء الأخضر منهما سوياً. أو لنقل بأن جيش الاحتلال التركي حصل على الضوء البرتقالي أو غض النظر والإكتفاء بالمواقف الاعلامية غير المتوافقة على ذلك”.
هل سيقدم أردوغان على تنفيذ تهديده؟
هدد أردوغان القيام باجتياح جديد للأراضي السورية، مشيراً بأن عملية “مخلب السيف” لن تقتصر على الضربات الجوية، وقال في تصريحات مساء الثلاثاء 22/11/2022، أنه في “أقرب وقت ممكن سندخل بدباباتنا إلى عمق الأراضي السورية”، مضيفاً، “صمتنا ليس من باب الضعف.. نعلن من هنا بأننا كتركيا التزمنا بكل ما علينا من التزامات في الشمال السوري، واعتباراً من هذه الساعة، فإن لدينا حدود جديدة هي أمن دولتنا، في شمال سوريا والعراق وأنجزنا هذا في بعض المناطق، وهناك بعض المناطق التي يجب أن نطبق فيها هذا الأمر، ولن يكون هناك من يستطيع منعنا أو الاعتراض على ما سنفعله”.
بدوره أكد عضو المجلس الرئاسي في “مسد” سيهانوك ديبو، أنه “في الوقت الذي يرى الجميع بأن عدوان تركيا مستمر على مناطق الإدارة الذاتية؛ لكن يمكن القول بأن لا ظروف موضوعية وذاتية تدعم عملية عسكرية تركية كاملة (برية وجوية) لمناطق شمال وشرق سوريا. سياسة غض النظر التي يتعمدها كل من الراعيين (موسكو وواشنطن) بالإضافة إلى مجلس الأمن والجامعة العربية للعدوان التركي عبر المسيّرات وبقاء بعض الجبهات ونقاط التماس بين نقاط للجيش السوري وقسد من جهة وفصائل تتبع لجيش الاحتلال التركي ساخنة بسبب الخروقات التركية المستمرة لا يعني بأن تركيا تستطيع المضي في غيّها إلى ما لانهاية”.
وتابع ديبو، “العكس هو الصحيح، تركيا نتيجة سياساتها ومقارباتها المدمرة تخسر رغم استداراتها، والاعتقاد بأنها لن تستطيع النزول من أعلى الشجرة جرّاء سياساتها واصرارها على عثمنة المنطقة، وأنها الآن بالفعل في بداية النهاية هو صحيح طالما هذه هي مقاربة نظام أنقرة واصرارها على مطامحها التوسعية وعدم استطاعتها التخلص من وهم (الكرد فوبيا) الذي تعتاش منه أيضاً أنظمة استبدادٍ مركزية في مقدمتها تركيا، وضع تركيا الصعب الحالي يجعلنا أمام مختلف الاحتمالات. عموماً فإن قيادة قسد حذرت من ذلك وطلبت أن يكون الشعب على أهبة الاستعداد. وخلاصنا هو استمرار مقاومتنا”.
ولفت السياسي الكردي بقوله، “نعتقد بأن الإقدام على خطوة صحيحة في هذا الوقت يعد سبيلاً ملائما يستفيد منه الجميع، ويمكن أن يراكم في طريق الحل لمختلف القضايا أبرزها حل مستدام للأزمة السورية وفق القرار الدولي 2254”.
هذا ولا تزال تركيا مستمرة في هجماتها على كافة مناطق الادارة الذاتية عبر طائراتها المسيرة والمدافع الثقيلة، لتستهدف المدنيين والعسكريين في كل من قوات سوريا الديمقراطية وعناصر جيش النظام السوري، إلى جانب البنية التحتية للمنطقة من محطات كهرباء ومدارس ومشافي وحقول النفط وسط استمرار الصمت الدولي.