لماذا تبتز تركيا السويد بالملف السوري؟

علاقات جيدة ومتطورة جمعت السويد مع مناطق شمال وشرق سوريا خلال السنوات الماضية، أخذت في طابعها العام ملفات غاية في الأهمية منها التنموية والإغاثية والإنسانية إلى جانب مساعدة قوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد تنظيم “داعش” الإرهابي الذي يشكل تهديداً وجودياً للعالم بأسره.

الأمر بدأ يختلف تدريجياً بالنسبة للحكومة السويدية الحالية وموقفها الجديد تجاه المنطقة الذي بات قائماً على لعبة المصالح أولاً دون النظر إلى عواقب وانعكاسات أي قرار أو اصطفاف سيؤدي بالتأكيد إلى كارثة إنسانية بحق ملايين السوريين في شمال شرق البلاد. وهنا المقصود سعي ستوكهولم لإرضاء أنقرة في سبيل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

تصريحاتٌ مثيرة للجدل أطلقها وزير الخارجية السويدي، توبياسبيلستروم، قائلاً: “إن الحكومة الجديدة في البلاد ستنأى بنفسها عن “وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي”،مؤكداً أن الهدف الرئيسي يتمثل في عضوية السويد داخل حلف شمال الأطلسي.

حيث يرى مراقبون أن تنازلات السويد لصالح تركيا مع عودة أردوغان إلى سياسة الابتزاز للحصول على مكاسب سياسية جديدة، ستنعكس سلباً على استقرار شمال سوريا في ظل تهديدات أنقرة المتواصلة بشن عملية عسكرية جديدة مقابل تحذيرات إقليمية ودولية حول نتائج خطيرة جداً على منطقة تضم عشرات الآلاف من إرهابيي داعش وعوائلهم.

بالمقابل، عبرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، من خلال بيان صادر عن دائرة العلاقات الخارجية، عن أسفها إزاء الموقف السويدي الجديد الذي يعتبر إرضاءًا لتركيا، مشيرة إلى أنها تتفهم مصالح دولة السويد حكومة وشعباً، ولكن ألا يكون ذلك على حساب شعوب كافحت وما زالت ضد الإرهاب العالمي.

مُعارضة كبيرة   

وفي هذا السياق، قال قادر كاسرغا، النائب في البرلمان السويدي عن حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، أكبر الأحزاب السياسية،إن تصريحات وزير الخارجية الأخيرة تجاه شمال شرق سوريا“عار كبير”، مؤكداً أن الرأي العام في السويد لن يقبل بذلك الموقف الذي سيؤثر على جهود مكافحة الإرهاب.

وأضاف“كاسرغا” في حديث لمنصة تارجيت الإعلامية، أن حزبهم يظهر إحترامًا كبيرًا لتضحيات قوات سوريا الديمقراطية، كونها جزءاً من التحالف الدولي ضد الإرهاب،كما أن كافة أحزاب المعارضة في السويد تعارض هذه التصريحات.

وأوضح أن أمن واستقرار شمال شرق سوريا يُعزز من أمن السويد وأوروبا،معتبراً نشاط تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة مازال مستمراً في شمال سوريا، وتهديدات تركيا ودعمها للفصائل المتطرفة هناك يجعل من الأوضاع في المنطقة أكثر تعقيدًا.

سياسة مُتغيرة

فيما توقع الباحث السوري، شورش درويش، أن تذهب ستوكهولم في هذا الاتجاه منذ أن قررت تغليب مصلحتها على حساب القيم الديمقراطية، حيث أدىوصول حكومة يمينة لتسريعهذا الإجراء المتخذ سابقاً، لكن الآن نحن أمام موقف رسمي يختلف عن موقف غالبية الشعب السويدي الذي يفضل التزام الحياد ومساندة التطلعات الكردية وإرادة سكان المنطقة، وبالتالي ليس من المتوقع أن تمضي السويد أبعد من قطع علاقاتها مع الإدارة الذاتية وقد يقتصر الأمر على جوانب شكلية فقط.

وبحسب “درويش”، من المرجّح أن تتغير السياسة السويدية لاحقاً بعد أن تضمن مقعدها في “الناتو”، على اعتبار أن قواعد الانضمام واضحة، إذ لا يمكن طرد أي دولة عضو مهما كانت الأسباب.

كما تحدث الباحث السوري عن مسألة أخرى، تتمثل في تمسك الحكومة اليمينية بالقرار الأخير وبالتالي خسارة الإدارة الذاتية أصدقائها في الحكومة السابقة لا سيما الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان متفهماً لظروف الإدارة الذاتية وجهودها في مكافحة الإرهاب، ما سيخلق حلقة وصل بين الإدارة والأحزاب الصديقة في السويد بما فيها المعارضة، الأمر الذي سيخفف من ثقل الإجراءات التي قد تتبعها الحكومة الجديدة.

تنازلات واستثمار

من جهته، أكد ممثل الإدارة الذاتية في السويد، شيار علي، لمنصة تارجيت الإعلامية، أن تصريحات وزير الخارجية السويدي تُعتبر سيئة جداً وتأتي امتداداً للاتفاق الموقع في مدريد نهاية شهر حزيران / يونيو الماضي بين الحكومة السويدية السابقة وتركيا، حيث يسعى الرئيس التركي أردوغان للاستثمار في رغبة السويد الدخول إلى “الناتو”، من خلال زيادة هجماته ضد مناطق شمال شرق سوريا والقضاء على التجربة الديمقراطية هناك.

وطالب شيار علي، الحكومة السويدية بعدم وضع الكُرد على طاولة “البازارات” واستغلال ذلك للدخول في حلف شمال الأطلسي، قائلاً: إن السويد تنازلت عن مبادئها لأردوغان، الذي يسعى إلى ضرب العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الإدارة الذاتية والسويد وترهيب الجالية الكردية لإيقاف نشاطها.

فيما وصفت المتحدثة باسم حزب الاتحاد الديموقراطي، سما بكداش، الموقف السويدي الجديد بالانحناء للابتزاز التركي، وهو ما يتعارض مع مبادئ وأخلاق المجتمع السويدي والمواقف الإنسانية التي تميزت بها ستوكهولم على الصعيد العالمي.

الرغبات والمحاولات السويدية المستميتة من أجل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، دفعت ستوكهولم لتقديم تنازلات عديدة بدأت منذ عدة أشهر مع إعادة تصدير أسلحة ومعدات حربية إلى تركيا، كانت محظورة منذ عام 2019، عقب هجوم الأخيرة على شمال سوريا وسيطرتها على مدن وبلدات عدة، ومن هنا فرضت لغة المصالح نفسها ليأتي تصريح وزير الخارجية السويدي الأخير تجاه الإدارة الذاتية، ضمن ما أطلق عليه التزامات واتفاقيات سابقة تحمل في طياتها كارثة حقيقية قد تحدث في شمال شرق سوريا خلال الفترة المقبلة، إذا ما أخذ المجتمع الدولي بعين الاعتبار الأطماع التركية في المنطقة.

 

قد يعجبك ايضا